إنتاج النفط السوري قبل وبعد سقوط بشار.. أصبح هذا السؤال هو الدائر الآن بعد انتهاء حقبة "الأسد" وحسم الصراع السياسي على السلطة لصالح قوّات المعارضة، لكن صراعًا آخر ينتظر الحسم؛ فمن سيسيطر على إنتاج الخام السوري؟
منذ بداية 2011، تحولت ثروة الشعب السوري إلى ساحة للصراع وتقاسم النفوذ بين أطراف متعددة، محلية ودولية، ما ضرب الإنتاج في مقتل، وهوى به من 400 ألف قبل الحرب إلى مستويات البداية التاريخية له في ستينيات القرن الماضي عند 20 ألف برميل يوميًا.
هذا الانهيار الدراماتيكي في إنتاج النفط السوري كفيل لإظهار معاناة شعب سُلبت ثرواته من فصائل متفرقة على مدار 14 عامًا، لم يدقّ فيها الاستقرار باب سوريا.
ولمن لا يعرف، تكمن حقول النفط السورية الرئيسة في المناطق الشرقية بمحافظتي دير الزور والحسكة، وآلت سيطرتها في السنوات الأخيرة إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، بعد طرد تنظيم داعش منها.
هذه الحقول -على رأسها العمر والسويدية والرميلان- تمثّل تقريبًا 90% من إنتاج النفط السوري، الذي كانت تستفيد منه الفصائل المسلّحة، عبر تهريبه إلى العراق أو دول أخرى، أو حتى نظام الأسد عن طريق وسطاء.
في المقابل، لم تكن القوات الحكومية السورية تسيطر إلّا على نسبة قليلة من الإنتاج عبر الحقول في وسط البلاد وجنوبها.
تطور إنتاج النفط السوري قبل وبعد سقوط بشار
كان إنتاج النفط السوري قبل وبعد سقوط بشار علامة على انهيار القطاع النفطي بشكل غير مسبوق، وبعدما كان المصدر الرئيس للإيرادات الحكومية، ويشكّل 25% من الناتج المحلي الإجمالي، بات سببًا في معاناة الشعب السوري وفقره.
وكان لتدمير البنية التحتية لقطاع النفط، بما في ذلك الحقول والمصافي وشبكات النقل، تأثير كارثي في الإنتاج.
كما أدى الحصار الذي فرضته قوات المعارضة والفصائل المسلحة على بعض المناطق المنتجة إلى نقص حادّ في الوقود، وباتت دمشق تستورد 95% من احتياجاتها النفطية من إيران في الغالب، بعدما كانت تُصدر نفطًا بأكثر من 150 ألف برميل يوميًا.
وتشير أحدث التقديرات إلى أن إنتاج النفط السوري بلغ 20 ألف برميل يوميًا تحت سيطرة الحكومة السورية قبل انهيار النظام، دون حساب الإنتاج الأكبر بالتأكيد، الذي تسيطر عليه "قسد" وغيرها، وتهربّه أو تبيعه في السوق السوداء بأسعار قليلة لا تتجاوز 20 دولارًا للبرميل.
الرسم التالي، من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، يوضح تطور إنتاج النفط السوري قبل الحرب وبعدها، تاريخيًا:
هذه الأرقام تُبرز كيف تؤدي الانقسامات والصراعات السياسية إلى سلب ثروات البلاد الشعوب، أكثر من تداعيات أزمة اقتصادية طاحنة، فلنعقد مقارنة بسيطة لإنتاج النفط في سوريا مقارنة مع الأرجنتين، لماذا الأرجنتين تحديدًا؟ أولًا، هي تعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ثانيًا، لديها تقريبًا حجم الاحتياطيات النفطية الموجودة في سوريا (2.5 مليار برميل) نفسه، والنتيجة:
- 2010 (قبل الحرب السورية): كان إنتاج سوريا من النفط 385 ألف برميل يوميًا، في حين كان إنتاج الأرجنتين 730 ألفًا، وهو أعلى من ذروة الإنتاج السوري المسجلة عام 2002 عند 677 ألف برميل يوميًا.
- 2023: إنتاج النفط السوري 40 ألف برميل يوميًا، في حين تجاوز إنتاج الأرجنتين مليون برميل يوميًا لأول مرة على الإطلاق.
وحتى الآن، ورغم أن سوريا أصبحت دون الأسد -بالطبع هنا أقصد الاسم لا الصفة-، ما يزال مستقبل حقول النفط السورية غامضًا، حيث تعمل إدارة العمليات العسكرية لفصائل المعارضة التي تدير البلاد حاليًا على توسيع سيطرتها على الأراضي السورية، لكن ما تزال "قسد" تهيمن على منابع النفط.
من يسيطر على إنتاج النفط السوري؟
مع سقوط نظام بشار الأسد وتقليص نفوذ حلفائه، روسيا وإيران، فإن السيطرة على إنتاج النفط السوري ستكون منحصرة بين القوات الأكثر نفوذًا حاليًا المتمثلة في فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا، والأكراد المتمثلين في "قسد" المدعومة من أميركا.
وما يزال الوضع ضبابيًا، وسيكون قطاع النفط رهن خيارين تحت تصرُّف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تجاه الأكراد:
- الأول: استمرار دعم الأكراد وبقاء القوات الأميركية في سوريا، ومن ثم السيطرة على حقول النفط.
- الثاني: انسحاب القوات الأميركية -كما أوضحه ترمب سابقًا- وتوصُّل الأكراد إلى اتفاق مع السلطات الجديدة، وتسليمها إدارة الحقول النفطية.
ورغم أن الخيار الثاني الأكثر تفاؤلًا سيؤدي إلى توفير جزء من الإمدادات النفطية لتلبية احتياجات البلاد، فإن الحديث بعده عن تعافي إنتاج النفط السوري سيكون مبكرًا للغاية؛ نظرًا للإعياء الشديد الذي تعاني منه سوريا في مختلف القطاعات.
فحتى إذا رُفعت القيود المالية والعقوبات الدولية على سوريا، وبخاصة قانون "قيصر"؛ فإن لملمة قطاع النفط وإصلاح بُنيته التحتية ستحتاج إلى 10 سنوات على الأقل حتى تقترب من مستويات ما قبل الحرب (400 ألف برميل يوميًا).
ويوضح الرسم التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، التطور التاريخي لتقديرات احتياطيات النفط في سوريا:
وكانت الشركات الكبرى، مثل توتال إنرجي وشل، تمتلك حصصًا كبيرة في استكشاف النفط السوري وإنتاجه، لكنها تركت مواقعها عقب الحرب الأهلية والعقوبات الغربية على دمشق، وذهب بعض هذه المناطق إلى شركات روسية تعاقدت معها إدارة الأسد، لكنها لم تفلح في زيادة الإنتاج بالنظر إلى الصراعات الدائرة.
ومن غير المرجّح في المستقبل القريب أن تخاطر شركات النفط العالمية الكبرى بالعودة مرة أخرى إلى سوريا في ظل بيئة مضطربة أمنيًا وسياسيًا، فهي ستنظر إمكان رؤية نتائج إيجابية بأن يقود الوضع الحالي إلى حكومة جديدة مدعومة دوليًا.
*أحمد شوقي مدير وحدة أبحاث الطاقة، خبير في أسواق النفط والغاز.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الطاقة.
اقرأ أيضًا..