من يدفع فاتورة التغيرات المناخية؟.. الدول النامية تطالب بـ1300 مليار دولار لمكافحة «الاحترار».. والزراعة أكبر الخاسرين.. وصندوق النقد: ٥٠ مليون شخص فى البلدان النامية قد يقعون فريسة الجوع بحلول 2060
الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الصدمات المناخية أصبحت أكثر «شدة واستمرارية«
تغيرات المناخ تسببت فى خفض إنتاجية المحاصيل الاستراتيجية فى مصر أبرزها القمح والأرز
صندوق النقد الدولي: ٥٠ مليون شخص فى البلدان النامية قد يقعون فريسة الجوع بحلول العام ٢٠٦٠
فى نوفمبر كل عام تتجه أنظار العالم أجمع إلى القضايا المناخية التى تستعر وتيرتها بالتزامن مع انعقاد مؤتمر المناخ العالمي، أو بالأحرى مؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ، والذى أتى فى نسخته التاسعة والعشرين COP29، فى عاصمة أذربيجان "باكو"، وسعى إلى الحد من الآثار السلبية للتغيرات المناخية وعلى رأسها الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة، وبالتزامن مع انعقاد المؤتمر فى الشهر الماضى أصدرت هيئة المناخ الأوروبية تقريرًا أكدت فيه أن عام 2024 فى طريقه لأن يصبح الأكثر سخونة على الإطلاق.
الأنشطة البشرية كلمة السر فى مخاطر المناخ
وبحسب التقرير الصادر عن خدمة تغيّر المناخ التابعة لمرصد كوبرنيكوس "سى ٣ إس" التابعة لهيئة المناخ الأوروبية، فإنه من المتوقع أن ترتفع درجة الحرارة العالمية السنوية بمقدار ١.٥ درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة لأول مرة، وسوف يتجاوز سجلات درجات الحرارة السابقة، حيث إن متوسط شذوذ درجة الحرارة فى الأشهر المتبقية من العام سوف يحتاج إلى الانخفاض إلى ما يقرب من الصفر لتجنب حدوث ارتفاع جديد.
البيانات الصادرة عن الوكالة الأوروبية أكدت أن متوسط درجة الحرارة العالمية خلال الأشهر العشرة الأولى من عام ٢٠٢٤ كان أعلى بمقدار ٠.٧١ درجة مئوية من خط أساس الفترة ١٩٩١-٢٠٢٠، وهو أعلى معدل مسجل لهذه الفترة، كما أنه فى شهر أكتوبر ٢٠٢٤ سجلت درجات حرارة أعلى بمقدار ١.٦٥ درجة مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة، ليكون الشهر الـ١٥ فى فترة تمتد لـ١٦ شهرا الذى يتجاوز خلاله المتوسط العالمى لدرجة حرارة الهواء السطحى ١.٥ درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهى عتبة حرجة حددتها اتفاقية باريس.
وبمقارنة بيانات عام ٢٠٢٤، فإنها ترتفع عن نظيرتها فى ٢٠٢٣، حيث سجل درجات الحرارة أعلى بمقدار ١.٤٨ درجة مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة، تتوقع خدمة تغيّر المناخ التابعة للمرصد أن تكون درجة الحرارة السنوية فى عام ٢٠٢٤ أعلى بمقدار ١.٥ درجة مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة، ومن المرجح أن تتجاوز ١.٥٥ درجة مئوية.
وأرجعت العديد من التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة الارتفاع غير المسبوق فى درجات الحرارة إلى تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان، مع مساهمات أصغر من العوامل الطبيعية وعلى رأسها ظاهرة "النينيو"، وهى ظاهرة مناخية واسعة النطاق تحدث بشكل طبيعى وتنطوى على تقلب درجات حرارة المحيطات فى وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي، إلى جانب التغيرات التى تطرأ على الغلاف الجوى العلوي، وتتسم بفترة ترتفع فيها درجة حرارة سطح البحر وما يترتب على ذلك من كبت للمياه الباردة الغنية بالمغذيات التى تصل إلى السطح قبالة سواحل بيرو وإكوادور، والتى تستمر عادة ما بين ١٢ و١٨ شهرًا.
وبدأت هذه المرحلة الأخيرة من ظاهرة النينيو فى منتصف عام ٢٠٢٣ وانتهت تقريبا فى أبريل ٢٠٢٤، لكن درجات الحرارة ظلت مرتفعة بشكل متواصل، الأمر الذى يعد بمثابة جرس الإنذار لدول العالم لضرورة تفادى الآثار السلبية لتغيرات المناخ، وفى هذا السياق، قالت ليز بنتلي، الرئيسة التنفيذية للجمعية الملكية للأرصاد الجوية: "إن تقرير كوبرنيكوس يرسل تحذيرًا قويًا آخر للحكومات فى مؤتمر المناخ (COP٢٩)، بشأن الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات للحد من أى ارتفاع إضافى فى درجات الحرارة".
الزراعة والدول الفقيرة.. أكبر الخاسرين من التغيرات المناخية
ولعل الفاتورة الباهظة للتغيرات المناخية تدفعها الدول "النامية" والفقيرة، والتى لطالما طالبت بتحقيق العدالة المناخية، وفي COP٢٩، طالبت هذه الدول بما لا يقل عن ١٣٠٠ مليار دولار من المساعدات لمكافحة الاحترار المناخى وأن تكون على شكل هبات لا قروض.
وبالنظر إلى القطاعات الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية، فإن قطاع الزراعة يأتى على قمة الهرم للقطاعات الأكثر تضررًا من تغير المناخ، حيث تتسبب التغيرات المناخية فى تهديد مباشر للمحاصيل الزراعية الأمر الذى يشكل تهديدا مباشرا للأمن الغذائي.
الأمن الغذائى فى العالم
وبالنظر إلى تهديدات الأمن الغذائى العالمى فإن تغيرات المناخ تعد أكبر المخاطر التى تهدد الأمن الغذائى نظرًا لتأثيرها على إنتاجية المحاصيل بالإضافة إلى تأثيرات التغيرات على صلاحية الأراضى الزراعية حيث تتسبب فى فقدان الأراضى لصلاحيتها، وتأتى على رأس المحاصيل الزراعية المتضررة من تغيرات المناخ الحبوب والسكر والفواكه والخضر والأرز.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولى إلى أن أكثر من ٥٠ مليون شخص فى البلدان النامية قد يقعون فريسة للجوع بحلول العام ٢٠٦٠ بسبب انخفاض إنتاج الغذاء وارتفاع الأسعار، موضحًا أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الصدمات المناخية أكثر "شدة واستمرارية" فى الدول الهشة منها فى الدول الأخرى.
أضرار تغيرات المناخ على الزراعة فى مصر
وبحسب ورقة بحثية حديثة بعنوان "التغيرات المناخية وتأثيرها على قطاع الزراعة فى مصر"، أعدتها الدكتورة سامية المرصفاوى، رئيس وحدة بحوث الأرصاد الجوية الزراعية والتغير فى المناخ بشبكة اتصال للتنمية الزراعية "رادكون"، فإن التغيرات المناخية من أبرز التحديات التى تواجه الزراعة فى مصر.
وكشفت الورقة البحثية عن الآثار السلبية للتغيرات المناخية وتأثيرها على قطاع الزراعة فى مصر، حيث أكدت أن التغيرات المناخية جاءت كنتيجة حتمية لزيادة الانبعاثات الغازية الناتجة عن الأنشطة البشرية، مثل الثورة الصناعية والنمو السكانى قد أديا لزيادة الطلب على الطاقة، مما ساهم فى تغيير المناخ بشكل يهدد مختلف القطاعات، وخاصة الزراعة.
وتشير الورقة البحثية إلى أن تأثيرات التغيرات المناخية على الإنتاجية الزراعية، حيث تمثل الزراعة أحد أكثر القطاعات تأثرًا بالتغيرات المناخية، حيث يتوقع أن تؤثر هذه التغيرات على الخصائص الطبيعية والكيميائية والتربوية للأراضى الزراعية، وتبين الدراسات أن ارتفاع درجات الحرارة سيؤثر سلبًا على إنتاج المحاصيل الأساسية فى مصر بشكل ملحوظ، مثل:
- القمح: سيتقلص الإنتاج بنسبة ٩٪ عند ارتفاع الحرارة ٢°م، و١٨٪ عند ٣.٥°م.
- الشعير: يتوقع انخفاض إنتاجه ١٨٪ بحلول عام ٢٠٥٠.
- الذرة الشامية: قد ينخفض إنتاجها ١٩٪ باستخدام نفس الظروف.
- الأرز: سيشهد انخفاضًا قدره ١١٪ وزيادة فى استهلاك المياه بنسبة ١٦٪.
بالإضافة غلى ذلك، هناك أيضًا محاصيل مثل فول الصويا وعباد الشمس والتى تتوقع الدراسات انخفاضًا كبيرًا فى إنتاجيتها (٢٨٪ و٢٧٪ على التوالي) وزيادة فى استهلاك المياه. تأثيرات أخرى على الزراعة تتجاوز التأثيرات انخفاض الإنتاجية، حيث ستتسبب التغيرات المناخية فى ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يهدد الأراضى الزراعية فى شمال الدلتا بالملوحة والغرق. وهذا بدوره سيؤثر سلبًا على المساحات الزراعية والإنتاج العام.
ووضعت الورقة البحثية مجموعة من الاستراتيجيات للتكيف مع التغيرات المناخية لمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية، والتى يجب على القطاع الزراعى تبنيها، وتشمل:
- استنباط أصناف جديدة: تحسين المحاصيل لتكون أكثر تحملًا للحرارة والجفاف.
- تغيير مواعيد الزراعة: لتحسين الإنتاجية تحت الظروف المناخية المتغيرة.
- ترشيد استخدام المياه: تحسين كفاءة الرى وتحديد المساحات المخصصة لمحاصيل أكثر استهلاكًا للمياه.
ولفتت الورقة البحثية إلى أن الدراسات البحثية فى هذا المجال تشير إلى أن تغيير مواعيد الزراعة وزيادة معدلات التسميد يمكن أن يؤديا إلى تحسين الإنتاجية حتى تحت الظروف المناخية الصعبة. خلاصة ستؤدى التغيرات المناخية بحلول ٢٠٥٠ إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل وزيادة الاستهلاك المائي، مما سينعكس سلبًا على العائد الزراعي. تعتبر دراسات التكيف من العوامل الأساسية لمواجهة هذه التحديات، ومن الضرورى تحديث تقييمات هذه الدراسات بشكل دورى لضمان تحقيق النتائج المرغوبة.
التغيرات المناخية والإنتاجية الزراعية
وبالنظر إلى التأثير على صافى عائد الزراعة ووسائل التكيف، تظهر الدراسات أن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار ١°م سيؤدى إلى خفض صافى العائد المزرعى بنحو ٩٦٩ دولارا للهكتار، بينما سيتفاقم هذا الخفض ليصل إلى ٣٤٨٨ دولارا للهكتار إذا ارتفعت الحرارة إلى ٣.٥°م. أما بالنسبة لمحصول قصب السكر، فقد يصل انخفاض العائد إلى ٤٤٪ فى حالة ملكية المزارع للأرض و٧٧٪ إذا كان المزارع يستأجر الأرض.
وتؤكد الورقة البحثية أن استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية من شأنها أن تخفف من تأثير التغيرات المناخية وتضمن استدامة الإنتاج الزراعي، مما يسهم فى تعزيز الأمن الغذائى فى مصر. وبالنظر إلى الأمن الغذائى عالميًا، فإن تقرير حالة الأمن الغذائى والتغذية فى العالم لعام ٢٠٢٤، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة العالمية "فاو"، أكد أن هناك حالة من عدم توافر مستويات كافية من التمويل لمواجهة تحديات الأمن الغذائى والتغذية خاصة مع استمرار ارتفاع معدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائى وسوء التغذية، والذى ترتب عليه خروج العالم عن مسار تحقيق هدف القضاء على الجوع وتعزيز الأمن الغذائى بحلول عام ٢٠٣٠.
ولفت التقرير الذى يُعد جزءًا من سلسلة حالة العالم التى تنشرها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة منذ عام ١٩٤٧، إلى أن مخاطر الأمن الغذائى العالمى تتزايد عاما تلو الآخر، حيث اعتمد التقرير فى حساب معدلات الأمن الغذائى والتغذية على مستوى العالم على مؤشرات الهدف الثانى من أهداف التنمية المستدامة وهى مؤشرات الأمن الغذائي، ومؤشرات التغذية، مؤكدا على أن حوالى ٩.١٪ شخص على مستوى العالم يعانون من سوء التغذية، بينما بلغ نحو ٢،٣ مليار شخص يعانون من انعدام أمن غذائى متوسط وشديد على مستوى العالم.
وذكر التقرير أن الوضع الراهن لتمويل الأمن الغذائى والتنمية يؤكد ضرورة اتباع نهجًا جديدا للتمويل لمواجهة الدوافع المسئولة عن انتشار الجوع، تضمن قدرة النظم الزراعية والغذائية على الصمود والتصدى لهذه الدوافع، موضحا أن عدم القدرة على سد الفجوة التمويلية سوف يؤدى إلى استمرار معاناة ملايين الأشخاص من الجوع وسوء التغذية، والعجز عن كلفة تحمل نمط غذائى صحي.
كما أشار التقرير إلى أن التمويل المطلوب للعودة إلى المسار الصحيح لتحقيق هدف القضاء على الجوع وتعزيز الأمن الغذائى حتى عام ٢٠٣٠ يتطلب ٣.٩٨ ترليون دولار لاستئصال النقص التغذوي، بينما يحتاج إلى ١٥.٤ ترليون دولار من أجل زيادة قدرة الأشخاص على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية والحد فى الوقت نفسه من النقص التغذوي.
وحول وجود آلية للوصول إلى حلول مبتكرة ومستدامة للتمويل، أشار التقرير إلى ضرورة توافر البيانات بطريقة أكثر شفافية وإتاحة، إلى جانب جعل تحقيق المقصدين ٢-١ و٢-٢ من مقاصد أهداف التنمية المستدامة من أولويات جدول أعمال السياسات الدولية، وأن تقوم الجهات المانحة والمؤسسات الخيرية بمواءمة أولويات الإنفاق لديها مع أولويات البلدان، فضلا عن مشاركة القطاعات المختلفة فى تحقيق الأمن الغذائى والقضاء على الجوع.