يرتبط الحديث عن الطلب على النفط في الصين، دائمًا بنمو الطلب العالمي على الخام، على أساس أن بكين هي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وهي كذلك ثاني أكبر المستهلكين العالميين لهذا النوع من الوقود.
وقال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن الحديث يتزايد مؤخرًا عن بلوغ الطلب العالمي على النفط لذروته، والأمر نفسه بالنسبة للطلب الصيني.
ولفت إلى أن الحديث عن بلوغ الطلب على النفط في الصين ذروته، يشهد أخطاء في الترجمة، لأن أغلب التقارير الصادرة عن بكين لا تتحدث عن النفط، بل عن وقود المواصلات أو البنزين، وذلك بسبب انتشار السيارات الكهربائية.
وأضاف: "هناك كثير من البيانات عن أن الطلب على البنزين سيصل إلى ذروته خلال العام الجاري (2024)، وذلك بسبب الزيادة في عدد السيارات الكهربائية، ولكن هذا لا يعني أن الطلب على النفط في الصين بشكل عام سيبلغ ذروته".
جاء ذلك خلال حلقة من برنامج "أنسيات الطاقة"، الذي يقدمه الدكتور أنس الحجي أسبوعيًا، عبر مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، إذ جاءت هذا الأسبوع تحت عنوان "15 سؤالًا وجوابًا عن أسواق النفط والغاز".
زيادة الطلب على النفط في الصين
قال الدكتور أنس الحجي إن من الأمور المضحكة ارتباط زيادة الطلب على النفط في الصين بزيادة إنتاج ألواح الطاقة الشمسية وعنفات الرياح والسيارات الكهربائية وبطارياتها، وهو أمر لا ينتبه له الإعلاميون وبعض المحللين.
وأضاف: "تتطلب زيادة إنتاج هذه الأشياء موادّ أغلبها يأتي من البتروكيماويات، وهذه البتروكيماويات تستعمل النفط والغاز، ولا يمكن إنتاج أي منها دون مواد بتروكيماوية، ومن ثم مع زيادة الطلب على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والسيارات الكهربائية يزيد الطلب على النفط".
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن المحللين والإعلاميين يتجاهلون ذلك، وبعض هذا التجاهل مقصود؛ لأنهم لا يريدون الربط بين الطاقة المتجددة وزيادة الطلب على الوقود الأحفوري، فيقولون إن هناك زيادة في الطلب على البتروكيماويات، ثم يتوقفون عند ذلك.
وتابع: "الإشكالية الآن في الصين، إذ إنه بالفعل مع الزيادة المتواصلة في الطلب على السيارات الكهربائية قد يصل الطلب على البنزين إلى ذروته، ولكن هذه السيارات الكهربائية تتطلب مواد بتروكيماوية ضخمة جدًا.
لذلك، تستثمر شركة أرامكو السعودية مبالغ مليارية في صناعة البتروكيماويات في الصين؛ لأنها أكبر منتج للألواح الشمسية وعنفات الرياح والسيارات الكهربائية، ومن ثم هناك نمو ضخم في البتروكيماويات، وهذه البتروكيماويات تتطلب نفطًا وغازًا.
ويعني هذا، بحسب الدكتور أنس الحجي، أن الطلب على البنزين يمكن بالفعل أن يصل إلى ذروته، ولكن من غير المحتمل أن يصل الطلب على النفط في الصين إلى ذروته.
وأردف: "الغريب في الأمر -كما ذكرت في حلقة سابقة- أن شركات النفط الصينية التي كانت ممنوعة من الكلام ومشاركة توقعاتها السنوية ورؤيتها للمستقبل، بدأت تتحدث عن بلوغ الطلب على النفط في الصين ذروته منذ بداية العام، وهناك علامة استفهام كبيرة على هذا الموضوع".
وأشار إلى أنه من الواضح تمامًا أنه قد تكون هناك محاولة للضغط على دول أوبك+ لخفض الأسعار، لأن أحد أسباب انخفاض الأسعار خلال 2024، من التسعينيات إلى السبعينيات، أن الطلب على النفط في الصين انخفض مقارنة بالتوقعات.
ولكن، وفق الحجي، ما عزز هذا الانخفاض هو استعمال بكين للمخزونات المحلية بدلًا من الاستيراد، وهذه المخزونات كانت مشتراة بأسعار منخفضة في السابق؛ لذلك هناك شك حول تصرف الشركات الصينية عندما تقول إن الطلب على النفط في الصين سيبلغ ذروته.
زيادة الطلب على البتروكيماويات
يرى الدكتور أنس الحجي أن الوصول إلى ذروة الطلب على النفط في الصين لن يحدث، وذلك بسبب زيادة الطلب على البتروكيماويات، خاصة في الصناعات المرتبطة بالطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وأضاف: "بالفعل هناك انخفاض في الطلب الصيني، مقارنة بالتوقعات والفروق كبيرة، إذ كان هناك من يرى أن هذا الطلب سيزيد بمقدار 600 ألف برميل يوميًا، ولكن هناك احتمالًا كبيرًا حاليًا أن تكون هذه الأرقام بالسالب".
ومن ثم، وفق الدكتور أنس الحجي، هناك فرق كبير حسب التحليلات الاقتصادية؛ إذ إن الإحصائية حسب هذه التحليلات تقول إن 75% من هذا الانخفاض تعود إلى النمو الاقتصادي، في حين أن نسبة 25% تعود إلى زيادة عدد السيارات الكهربائية وزيادة عدد الشاحنات العاملة بالغاز المسال.
بعبارة أخرى، ستحدث زيادة الطلب على النفط في الصين إذا كان هناك نمو اقتصادي كبير، والمقصود بالنمو الاقتصادي الكبير أي شيء فوق 5%، هو الآن بحدود 4.3%، ما يعني أن هناك حاجة إلى أن يرتفع نمو الاقتصاد الصيني إلى أكثر من 5%.
وتابع: "كانت هناك محاولات من الحكومة الصينية لتحفيز الاقتصاد، وإنفاق ملياري ضخم، ولكن هذه المحاولات يبدو أنها فشلت في تحقيق ما يريدون، وأحد أسباب هذا الفشل هو الحروب التجارية على الصين من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
لهذا، يعد الدولار الأميركي المرتفع من أكبر الأخطار على أسواق النفط في عام 2025، ولكن هناك أخطارًا أخرى، من ضمنها الحروب التجارية، وهو ما يعزز الاعتقاد الواسع بأن الوضع الحالي سيستمر خلال عام 2025.
أما إذا توصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب -بعد استلامه السلطة- إلى اتفاق مع الصين، وتم التخفيف من حدة هذه الحروب التجارية أو حلها بالكامل، فإن هذا سيؤدي إلى زيادة الطلب على النفط في الصين، وستتغير الرؤى بناء على ذلك.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..