إذا أمعنا النظر فى تصريحات أحمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام والمسئول الأول عن الإدارة الجديدة في سوريا، نراه يتكلم بكاريزما الواثق عن قبول الآخر وتمكين المرأة ووحدة التراب السوري، فالرجل يتكلم وكأننا بلا ذاكرة ونسينا أن تاريخه القديم والأدبيات الفكرية التي نشأ عليها تتناقض تماما مع ما يطرحه الآن ، هذه التصريحات هي بالضبط إعطاء الآخرين من طرف اللسان حلاوة، أما مضمون ما يفعله وما سيفعله مستقبلا فهو أمر يختلف تماما عن ما يقوله.
كل اهتمام حاكم سوريا الجديد هو شطب المنظمة التي ينتمي إليها من قائمة المنظمات الإرهابية، تلك القائمة المصنفة بمعرفة الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، لا يترك الشرع فرصة في لقاء مع مسؤول دولي أو حوار مع وسيلة إعلامية إلا وكرر نفس الطلب كان آخرها مع جيريمي بوين محرر بي بي سي.
ومن المتوقع الاستجابة لطلبه بشطب الهيئة من قائمة المنظمات الإرهابية ليس لسبب أنها توقفت عن الإرهاب، ولكن لأنها ذراع عسكري على الأرض لأجهزة مخابرات اجنبية نفذت الأجندة كيفما تم الإتفاق عليها، ولكن تلك الأجهزة الداعمة له نسيت تماما تحذيرات المفكر الراحل الدكتور رفعت السعيد عندما قال عن ما يشبه تلك الحالة "إنه اللعبة مع الثعابين السامة" ومعروف بالطبع كيف يلتف الثعبان ليلدغ القريب منه، وبما إن الدول الداعمة له هي الأقرب له الآن فعليها أن تنتظر اللدغة القاتلة منه.
هذه اللعبة، لعبة تأسيس أنظمة ترتدي الزي الإسلامي لتحكم المنطقة والتي يراها الجميع لها أثمان باهظة على سوريا وعلى الشرق الأوسط كله ليتحقق حلم بنيامين نتنياهو الذي كرر أكثر من مرة تصريحات تذهب إلى إعادة تصميم ملامح الشرق الأوسط، لذلك نتوقع من تلك الأنظمة أن تقوم بدور مخلب القط الذي يستعد لنهش البلدان المجاورة وزرع فيروس التقسيم في مختلف الدول، فالإدارة الجديدة في سوريا بدأت حياتها السياسية العلنية بمشهد يعتبر أسوأ استهلال لنظام حيث نستمع يوميا لأحمد الشرع وهو يطمئن إسرائيل بقوله إن البلاد منهكة من الحرب ولا تشكل تهديداً لجيرانها أو للغرب، وربما هذا التصريح هو الأصدق من جملة تصريحاته.
أما غير ذلك من تصريحات وبالتحديد الخاصة بمشاركة كل نسيج المجتمع السوري في الحكم أو الخاصة بمدنية الدولة فهذه هي التصريحات التي سوف يروغ منها كما يروغ الثعلب، وهذا السلوك تمرين مشهور تم في إيران قبل ذلك عندما اندارت ثورتهم الإسلامية ذبحا واعتقالا على اليساريين من حزب تودا وهو نفس التمرين الذي نفذه الإخوان المتأسلمين في مصر، والآن يحاول الشرع أن يسقينا نفس الكأس مرة ثانية.
لقد كتب الشاعر صالح بن عبد القدوس سطراً من الشعر صار مضرباً للأمثال.. يقول الشاعر "يعطيك من طرف اللسان حلاوة.. ويروغ منك كما يروغ الثعلب" وجاء بعد هذا السطر سطر آخر أراه لا يقل أهمية عن هذا السطر الذي حصل على شهرة تاريخية.. يقول السطر المهجور "يلقاك يحلف أنه بك واثق.. وإذا توارى عنك فهو العقرب".
ثقتنا في الشعب السوري كبيرة أنه لن يبتلع هذا الطعم وأن تحرك الشعب السوري المنظم في مواجهة هذا التيار سوف يأتي عاجلاً أو آجلاً لأنه في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.