أخبار عاجلة
إعلام إسرائيلي: رصد إطلاق صاروخ من اليمن -

المحاكاة الحيوية.. إلهام من الطبيعة لتطوير تكنولوجيا الطائرات المسيّرة

المحاكاة الحيوية.. إلهام من الطبيعة لتطوير تكنولوجيا الطائرات المسيّرة
المحاكاة الحيوية.. إلهام من الطبيعة لتطوير تكنولوجيا الطائرات المسيّرة

في خضم التطورات التكنولوجية المتسارعة التي نشهدها اليوم، يشهد مجال الروبوتات الجوية والطائرات المسيّرة نموًا غير مسبوق، إذ تتوالى الابتكارات المذهلة التي توسع آفاق هذا المجال وتفتح الباب أمام تطبيقات جديدة، ومن بين هذه الاكتشافات المهمة برزت جهود فريق من الباحثين في معهد العلوم في طوكيو، الذين توصلوا إلى نهج فريد ومبتكر للتحكم بالطيران المسيّر يعتمد على استشعار الرياح بطريقة حيوية مستوحاة من الطيور، مما يُبشّر بثورة في هذا المجال.

ويتمثل هذا النهج في استخدام تقنية مستوحاة من الكائنات الحية، وهي استشعار الرياح بواسطة مستشعرات إجهاد دقيقة مثبتة على أجنحة مرنة، وقد استلهم الباحثون هذه التقنية من مستقبلات الإجهاد الطبيعية الموجودة في أجنحة الطيور، وهي عبارة عن أعضاء حساسة للغاية تُمكنّها من إدراك التغيّرات الطفيفة في ضغط الهواء وقوة الرياح.

وبناءً على هذا الإلهام، طور الباحثون طريقة مبتكرة للكشف عن اتجاه الرياح بدقة مذهلة تصل إلى 99.5%، وذلك باستخدام مقاييس إجهاد متناهية الصغر ونموذج شبكة عصبية تلافيفية (CNN)، وهي نوع من أنواع الذكاء الاصطناعي يستخدم على نطاق واسع في تحليل الصور ومعالجة البيانات.

إلهام من الطبيعة.. مستقبلات الإجهاد البيولوجية:

يُشير مصطلح المحاكاة الحيوية (Biomimicry) إلى عملية تصميم وتطوير تقنيات متقدمة مستوحاة من الآليات والإستراتيجيات التي طورتها الطبيعة على مدى مليارات السنين، وتُعدّ الطبيعة مصدرًا غنيًا بالإلهام، إذ قدمت حلولًا فعالة ومبتكرة لمجموعة واسعة من التحديات. ومن بين الكائنات الحية التي تقدم نماذج قوية للإلهام في مجال الروبوتات الجوية، تبرز الطيور، وخاصة الطائر الطنان (Hummingbird)، بفضل قدرته الفريد على التحكم الدقيق والفعال في طيرانه.

إذ تتمتع الطيور، بما يشمل: الطائر الطنان، بنظام حسي متطور يتضمن مستقبلات ميكانيكية دقيقة موزعة على أجنحتها، وتمكن هذه المستقبلات – المعروفة أيضًا باسم مستقبلات الإجهاد (Strain Receptors) – الطيور من جمع بيانات دقيقة حول الإجهاد الميكانيكي الذي يتعرض له الجناح أثناء الطيران، مما يتيح للطيور اكتشاف التغيرات اللحظية في الرياح، وحركة الجسم، والظروف البيئية المحيطة.

وتسمح هذه القدرات الحسية المتطورة للطيور بإجراء تعديلات سريعة وفعالة أثناء الطيران، مما يمكنها من المناورة بدقة عالية في مختلف الظروف الجوية.

واستلهم الباحثون في معهد العلوم في طوكيو، بقيادة البروفيسور هيروتو تاناكا، هذه الآلية الطبيعية المذهلة، وبدأوا في استكشاف كيفية استخدام استشعار إجهاد الجناح في تطوير روبوتات خفاقة حيوية (Biomimetic flapping-wing aerial robots)، وذلك بهدف استخراج معلومات دقيقة حول التدفق الهوائي المحيط بالروبوت من خلال تحليل بيانات الإجهاد المجمعة بواسطة مستشعرات مثبتة على الأجنحة، ويمكن لهذه المعلومات أن تستخدم في تحسين التحكم بالروبوتات الجوية والطائرات المسيّرة وزيادة قدرتها على التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة.

ويوضح البروفيسور (هيروتو تاناكا) أهمية هذا البحث قائلًا: “لا تستطيع الروبوتات الجوية الصغيرة تحمل تكلفة أجهزة استشعار التدفق التقليدية بسبب القيود الصارمة على الوزن والحجم. لذلك، سيكون من المفيد جدًا الاستفادة من استشعار إجهاد الجناح البسيط لتتعرّف ظروف التدفق مباشرة دون الحاجة إلى أجهزة مخصصة إضافية”.

أجنحة آلية مصممة بدقة لاستشعار اتجاه الرياح:

صمم الباحثون أجنحة آلية تحاكي أجنحة الطيور الطنانة، وركزوا في عملية التصميم على محاكاة البنية التشريحية للأجنحة الطبيعية، واستخدام مكونات متاحة وفعالة من حيث التكلفة.

إذ صنعوا هيكل الجناح من أعمدة مدببة تدعم غشاء الجناح، في محاكاة دقيقة لبنية أجنحة الطيور الطبيعية، وتوفر هذه الأعمدة الدعم الهيكلي اللازم للغشاء وتساهم في توزيع قوى الإجهاد بفعالية.

ثم أدمجوا سبعة مقاييس إجهاد منخفضة التكلفة ومتوفرة على نطاق واسع في هيكل الجناح، كما أدمجوا الأجنحة في آلية رفرفة مصممة خصوصًا لهذا الغرض، وتتكون من: محرك تيار مستمر (DC motor) يوفر القوة اللازمة لحركة الرفرفة، ونظام (Scotch yoke) يحول الحركة الدورانية للمحرك إلى حركة ترددية خطية تحاكي حركة رفرفة الأجنحة، وضُبطت آلية الرفرفة لتوليد 12 دورة رفرفة في الثانية، وهو معدل يقارب معدل رفرفة بعض أنواع الطيور الطنانة.

إجراء اختبارات وتحليل للبيانات:

اختبر الباحثون الجهاز في نفق رياح لدراسة استجابته لظروف الرياح المختلفة، إذ عُرض الجهاز لسرعة رياح ثابتة تبلغ 0.8 متر في الثانية، وهي سرعة تحاكي ظروف الرياح الخفيفة التي قد تواجهها الطيور الطنانة، ثم جرى قياس إجهاد الجناح تحت سبعة اتجاهات مختلفة للرياح: وهي: (0 درجة، و 15 درجة، و 30 درجة، و 45 درجة، و 60 درجة، و 75 درجة، و 90 درجة)، بالإضافة إلى ذلك، أجروا اختبار في حالة عدم وجود رياح (0 متر في الثانية) كحالة مرجعية.

ثم استعان الباحثون بالذكاء الاصطناعي لتحيليل البيانات، إذ طوروا نموذج شبكة عصبية تلافيفية (CNN) لتحليل بيانات الإجهاد المجمعة وتصنيف ظروف الرياح المختلفة.

وأظهرت النتائج دقة تصنيف عالية جدًا، بلغت نسبة 99.5% باستخدام بيانات الإجهاد المجمعة على مدار دورة رفرفة كاملة، ويشير ذلك إلى قدرة النظام على تحديد اتجاه الرياح بدقة عالية باستخدام معلومات كاملة عن حركة الجناح، وحتى مع استخدام بيانات أقصر من 0.2 دورة رفرفة فقط – يعني استخدام جزء صغير جدًا وهو أقل من 20% من بيانات حركة الجناح الكاملة – ظلت الدقة عالية عند 85.2%، ويوضح ذلك أن النظام قادر على توفير معلومات مفيدة حول اتجاه الرياح حتى مع جمع بيانات محدودة.

كما أظهر التحليل الإضافي أنه حتى مع استخدام بيانات من مقياس إجهاد واحد فقط، تراوحت دقة التصنيف بين 95.2% و 98.8% لدورة رفرفة واحدة. ومع ذلك، انخفضت هذه النسبة بشكل ملحوظ إلى 65.6% أو أقل عند استخدام بيانات أقصر من 0.2 دورة رفرفة، مما يؤكد أهمية استخدام مقاييس إجهاد متعددة للحصول على دقة عالية في جميع الظروف.

وأظهرت النتائج أيضًا أن إزالة أعمدة الجناح الداخلية أدت إلى تقليل دقة التصنيف، مما يسلط الضوء على أهمية هذه الهياكل في تعزيز قدرات الأجنحة على استشعار الرياح، إذ تساهم هذه الأعمدة في توزيع الإجهاد بشكل يُمكن المستشعرات من التقاط التغيرات الدقيقة في تدفق الهواء.

وقد أكد البروفيسور تاناكا الأهمية الكبيرة لهذه الدراسة، قائلًا: “تساهم هذه الدراسة في تعزيز فهمنا لكيفية إدراك الطيور للرياح بدقة عالية من خلال استشعار إجهاد أجنحتها المرفرفة، وهو ما سيكون مفيدًا للغاية للتحكم في الطيران وتطوير الطائرات المسيّرة، إذ يمكن تحقيق نظام مماثل في الروبوتات الجوية ذات الأجنحة المرفرفة المحاكية للطبيعة باستخدام مقاييس إجهاد بسيطة”.

رؤية مستقبلية وتطبيقات واسعة النطاق:

يتجاوز تأثير هذه الدراسة التي نشرت في مجلة (Advanced Intelligent Systems)، مجرد تحسين الطيران الآلي، إذ يقدم استخدام أجهزة استشعار الإجهاد على الأجنحة المرنة إمكانات هائلة لإحداث ثورة في العديد من الصناعات والتطبيقات، ويكمن جوهر هذه الإمكانات في القدرة على استشعار التغيرات الدقيقة في تدفق الهواء والتفاعل معه بشكل ديناميكي، وهو ما يفتح آفاقًا واسعة في مجالات متنوعة تشمل:

1- مجال الروبوتات الجوية والاستجابة للكوارث: 

  • الروبوتات الجوية الصغيرة للاستجابة للكوارث: يمكن إدماج هذه الأنظمة الحيوية في الروبوتات الجوية الصغيرة المصممة خصوصًا للاستجابة للكوارث الطبيعية أو الحوادث الصناعية. وفي هذه السيناريوهات، يكون التحكم الدقيق في الطيران أمرًا بالغ الأهمية للتنقل في البيئات الصعبة والخطرة، مثل المناطق المدمرة أو المليئة بالدخان أو الأنقاض.
  • الطائرات المسيّرة في مهام متنوعة: يمكن للطائرات المسيّرة المجهزة بهذه التقنية أن تحقق أداءً متفوقًا في مهام متعددة، مثل: مراقبة البيئة، وعمليات البحث والإنقاذ في المناطق الوعرة أو البحر، وكذلك في التطبيقات الزراعية مثل: رش المحاصيل بدقة، ومراقبة صحة النباتات، وتحليل خصائص التربة.

2- المجالات التجارية والعسكرية:

  • طائرات التوصيل في المناطق الحضرية: يُمكن لطائرات التوصيل العاملة في المناطق الحضرية الاستفادة من قدرات استشعار الرياح المحسنة لضمان رحلات أكثر سلاسة وأمانًا في الظروف الجوية المتغيرة وغير المتوقعة، خاصةً في المناطق ذات المباني العالية التي تؤثر في تدفق الهواء.
  • التطبيقات العسكرية: يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في الطائرات المسيّرة العسكرية لأغراض الاستطلاع والمراقبة والهجوم، مع تحسين قدرتها على المناورة والتخفي في ظروف الرياح المختلفة.

كما تفتح هذه الدراسة آفاقًا واعدة لمزيد من البحث والتطوير في مجال المحاكاة الحيوية، إذ يمكن استلهام المزيد من الحلول من الطبيعة لتطوير تقنيات جديدة في مجالات أخرى، مثل:

  • الروبوتات تحت الماء: يمكن استلهام آليات الحركة والاستشعار من الكائنات البحرية لتطوير روبوتات قادرة على استكشاف أعماق البحار والمحيطات بكفاءة عالية.
  • استكشاف الفضاء: يمكن استخدام مبادئ الحركة التكيفية في البيئات الشبيهة بالسوائل (مثل الفضاء) لتصميم مركبات فضائية قادرة على المناورة والتنقل في ظروف الجاذبية الصغرى والفراغ.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الأهلي يستعد لمواجهة شباب بلوزداد بالزي الكحلي في دوري أبطال إفريقيا
التالى بعد قرار محمود الخطيب.. زيزو يوافق على عرض ممدوح عباس الخيالي ويوقع مع الزمالك