تباين تقدير خبراء وباحثين لحجم الأثر المرتقب لإلزام الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات برفع تقارير سنوية حول نجاعة الأداء إلى وزارة الداخلية؛ فبينما رأى بعضهم أن هذه الخطوة ستمكن من فرملة “انتشار الاختلالات التدبيرية والمالية التي تشوب تسيير هذه الجماعات” وكانت السبب في عزل وأحيانا المتابعة القضائية لعدد كبير من رؤسائها السنة الماضية، يتمسك البعض الآخر بأنها “ستكون منقوص الجدوى، في غياب وجوب تقديم وثائق مرفقة للإثبات في هذه التقارير”.
الباحثون المختصون في المالية العمومية والحكامة الترابية كانوا يتفاعلون مع مقترحات القوانين التي تقدمها الفريق الحركي بمجلس النواب، حديثا، لتتميم القوانين التنظيمية الثلاثة للجماعات الترابية، بغرض “التنصيص بصيغة الوجوب فيها على ضرورة الإدلاء بشكل سنوي بتقرير حول نجاعة الأداء إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية”، وتأتي وسط لجوء المحاكم الإدارية، في 2024، لعزل عدد كبير من رؤساء المجالس المنتخبة، بسبب “اختلالات تدبيرية ومالية” المرصودة.
وحفزت المبادرات التشريعية سالفة الذكر التساؤل بشأن مدى إمكانية مساهمة وجوب تقديم المجالس الجماعية تقارير سنوية حول نجاعة أدائها في الحد من الاختلالات التي تشوب تدبير وتسيير عدد “كبير منها”، خاصة أنه ليس من المستبعد، وفقا لما كشفته مصادر هسبريس في وقت سابق، “سقوطٌ مرتقب لفوج جديد من رؤساء الجماعات مع بداية السنة الجديدة، بناء على خلاصات عمليات تدقيق مشتركة من قبل لجان تفتيش موفدة من المفتشية العامة للإدارة الترابية والمجلس الأعلى للحسابات”.
تقليص الاختلالات
عبد الفتاح الثقة، دكتور باحث في الحكامة الترابية، قال إن “إلزام الجماعات الترابية برفع تقارير سنوية حول نجاعة الأداء إلى وزارة الداخلية من شأنه الحد من الاختلالات التدبيرية والمالية التي تشهدها هذه المؤسسات المنتخبة؛ فمن شأنها إعطاء رؤية واضحة عن نجاعة المشاريع التي تنجز من قبلها، ومستوى تقدمها وتوزيع صرف الأموال المرصودة لها، خاصة أن الجماعات الترابية تحولت إلى اعتماد البرمجة الثلاثية للميزانية (لثلاث سنوات مقبلة)”.
وأوضح الثقة أن “من شأن تقنين هذا الإلزام أن يجعل رئيس الجماعة أو الجهة أو الإقليم يقظا أكثر في تسييرها وتدبير مواردها المالية، بما أنه سوف يكون مطالبا بتقرير سنوي يرصد أي خطوة أو إجراء اتخذته الجماعة في هذا الجانب”، مسجلا أن “الإعداد لها سيكون بمثابة افتحاص داخلي ومراقبة ذاتية يقوم بها المنتخبون موازاة مع تدبيرهم للميزانية ومشاريعها، حتى لا يرتكبوا أي خطأ، فيساءلون عليه في هذه التقارير”.
وشدد الباحث، في تصريح لهسبريس، على “أهمية تفعيل هذا المقتضى في ظل تحول مجالس الجماعات، بكافة أنواعها، من التدبير بالطريقة التقليدية إلى التدبير حسب الأهداف التي يتم وضعها ثم تقييمها عند بلوغ الآجال المرسومة”، مؤكدا أن “الأساس في نهاية المطاف يبقى مدى حرص المسؤول على ملاءمة تدبيره مع المقتضيات القانونية، حتى لا يرتكب أي اختلال”.
لذلك أيد المصرح عينه “مناقشة المقترحات القوانين سالفة الذكر، على أن يتم إدخال تعديلات عليها من أجل تجويدها حتى تكون ذات مردودية أكثر”، بتعبيره.
وتفاعلا مع سؤال للجريدة حول “ما إذا كان إلزام المواد التنظيمية المطالب بتعديلها لإدراج هذا المقتضى الجماعات بضرورة نشر تقارير المراقبة والافتحاص والحصيلة للعموم يستدعي تعميم تقارير نجاعة الأداء كذلك”، أكد الثقة “أهمية هذا الأمر بالفعل”، مستحضرا “تجارب في هذا الشأن، مثل تلك التي تقوم من خلالها جهة مراكش، بعرض برامج التنمية على الرأي العام، وتقديم حصيلتها السنوية من خلال لقاءات صحافية؛ ما يسمح بإثارة الملاحظات عليها في الوقت المناسب”.
الشفافية المرجوة
جواد لعسري، أستاذ مختص في المالية العامة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، لم يستبعد إمكانية “مساعدة تقارير نجاعة الأداء السنوية نسبيا في عملية مراقبة تدبير الجماعات الترابية، إذ من شأنها أن تعطي للجهات المعنية بهذه المراقبة صورة “أقرب إلى الدقة” بشأن التدبير المالي لهذه المؤسسات المنتخبة”.
واستدرك لعسري، في تصريح لهسبريس، أنه “هذه التقارير في حال تم التنصيص على وجوبها لن تمنح الداخلية والرأي العام صورة حقيقية حول وضع التدبير المالي داخل الجماعات، إذا لم يتم التنصيص كذلك على وثائق تقدمها هذه الأخيرة من أجل تعزيز تقاريرها والتأكيد على صحتها دقتها”، مستحضرا “القاعدة العامة القانونية التي تؤكد أنه لا يمكن للشخص أن يصنع حجة (دليلا) لنفسه”.
وأوضح المصرح عينه “أنه في غياب إلزامية هذه الوثائق الضرورية لإثبات صدقية وشفافية التقارير، فإن بإمكان رؤساء الجماعات أن يخطوا فيها ما شاؤوا، وستصبح هذه التقارير مثل الوعود الانتخابية التي لا يتم الوفاء بها”، مشددا على أن “هذا الغياب سيجعل المقترح القانوني المقدم بلا أي أثر عملي؛ ما يستدعي ضرورة تجويده التنصيص على إلزامية تقديم التقارير السنوية بوثائق مرفقة تثبت شفافيتها وصحة معطياتها”.