تتنوع جهود الباحثين لتعزيز كفاءة الطاقة في المباني، ما بين ابتكارات تعتمد على العزل الحراري، أو الإضاءة الموفرة للكهرباء، أو تطوير حلول التدفئة والتكييف.
وفي هذا الإطار، ابتكرت باحثة جزائرية مادة من نفايات مخلّفات الزيتون لاستعمالها في صناعة الجدران العازلة حراريًا؛ من أجل تعزيز كفاءة الطاقة في المباني مع تحقيق الجدوى الاقتصادية المطلوبة.
وتوصّلت إلى التقنية الباحثة في الطاقات المتجددة بالمركز الوطني للدراسات والأبحاث المتكاملة للبناء في الجزائر(CNERIB) ومعهد جوزيف ستيفان للبحث العلمي في سلوفينيا، ماجدة موايسي، التي أطلقت على فكرتها اسم "إيزوغرين".
وأوضحت الباحثة الجزائرية -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- أنها سعت إلى إنتاج مادة عازلة ذات أداء عالٍ من بقايا الزيتون ومخلّفاته لاستعمالها في قطاع البناء.
الاستفادة من النفايات العضوية
قالت المهندسة ماجدة موايسي، إنها اعتمدت على استعمال نواة الزيتون -على وجه التحديد- بوصفها مكونًا ثانويًا يُنتَج بكميات كبيرة في عمليات عصر الزيتون.
وأضافت أن هذه الفكرة تقدّم حلًا بيئيًا واقتصاديًا يسهم في تعزيز كفاءة الطاقة في المباني من خلال الاستفادة من النفايات العضوية المتاحة محليًا.
وتابعت أنها طوّرت المادة العازلة بمشاركة المركز الوطني للدراسات والأبحاث المتكاملة للبناء في الجزائر (CNERIB)، حيث أجرت عمليات التركيب والاختبار الأولي للمادة في المختبرات الوطنية لتعزيز الخصائص الفنية والتأكد من أدائها.
ثم أجرى فريق المشروع، بالتعاون مع معهد جوزيف ستيفان بسلوفينيا، سلسلة من الاختبارات العلمية المتقدمة التي شملت دراسة الخصائص الفيزيائية والميكانيكية والكيميائية لمزيج المادة الخام والتراكيب المبتكرة.
نموذج للاقتصاد الدائري
أوضحت المهندسة ماجدة موايسي أن هذه الاختبارات تضمّنت تقنيات تحليل حراري-جراڤيمي (TGMS)، والأشعة السينية (XRD)، والتحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء (FTIR)، ودراسة التوزيع الحجمي للجزيئات.
بالإضافة إلى ذلك، اختبر الفريق البحثي التوصيل الحراري للمادة المبتكرة وكثافتها؛ بهدف تقييم فاعليتها في العزل الحراري من أجل رفع كفاءة الطاقة في المباني.
ولفتت -في تصريحاتها إلى منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن نواة الزيتون نفاية زراعية غير مستغلة بالشكل الأمثل، وتحويلها إلى مادة عازلة مبتكرة يحمل العديد من الفوائد البيئية والاقتصادية.
وأشارت إلى أن المشروع يقدّم نموذجًا ناجحًا للاقتصاد الدائري من خلال تحويل النفايات إلى منتجات ذات قيمة مضافة؛ ما يقلل من الحاجة إلى التخلص من المخلّفات، ويحدّ من الآثار البيئية السلبية الناتجة عن تراكمها.
كما يوفر المشروع حلًا اقتصاديًا يتماشى مع الحاجة المتزايدة إلى المواد العازلة منخفضة التكلفة في أسواق البناء.
وأوضحت الباحثة أن تكلفة الإنتاج لهذه المادة ستكون أقل مقارنًة بالمواد المستوردة، مشيرة إلى أن ذلك يعزز القدرة التنافسية للشركات الوطنية، ويوفر فرص عمل جديدة، خاصة في المناطق الريفية، حيث تتوافر بقايا الزيتون بشكل كبير.
التطبيقات المحتملة
قالت الباحثة الجزائرية، إن مشروع "إيزوغرين" يهدف إلى توسيع نطاق تطبيقاته في قطاع البناء عبر استعمال المادة العازلة في مختلف أنواع المباني، بما في ذلك المباني السكنية والتجارية والصناعية.
وأضافت أن المشروع يسعى -كذلك- إلى تعزيز التعاون مع الجهات الفاعلة في قطاع البناء، مثل شركات البناء والمقاولين والجهات الحكومية؛ لضمان اعتماد واسع لهذه المادة وتحقيق أقصى استفادة من إمكاناتها.
وعلاوة على ذلك، يهدف المشروع إلى تطوير مزيد من المنتجات المبتكرة المعتمدة على بقايا المواد الزراعية؛ ما يعزز من الابتكار في قطاع البناء، ويوسع من نطاق استعمال المواد الطبيعية والمتجددة.
وتابعت أن التعاون الدولي الذي أثمر هذه المبادرة، لا سيما مع المؤسسات الأكاديمية في أوروبا، يعكس الرغبة في تحقيق تحول مستدام على مستوى عالمي.
واستطردت قائلة، إن مشروع "إيزوغرين" يُعدّ مثالًا حيًا على الابتكار المستدام الذي يجمع بين البحث العلمي والتطوير التقني لتحقيق أهداف بيئية واقتصادية، مع تعزيز ريادة الجزائر في مجالات الطاقة المتجددة ورفع كفاءة الطاقة في المباني.
وأكّدت الباحثة الجزائرية -خلال تصريحاتها إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن المشروع ليس فقط استجابة لحاجة آنية في قطاع البناء، ولكنه يمثّل أيضًا التزامًا طويل الأمد بتحقيق بيئة أكثر استدامة وفاعلية للطاقة.
يُذكر أن المشروع قد نجح في الحصول على براءة اختراع تؤكد تميُّزه وقدرته على التنافسية، إلى جانب منحه علامة "label" الخاصة بالمشروعات المبتكرة من قبل وزارة المؤسسات الناشئة الجزائرية؛ ما يعزز من مكانته بصفته حلًا رائدًا وواعدًا في مجال الطاقة المستدامة والبناء.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
