حين تسمع عن موريتانيا، قد يتبادر إلى ذهنك تلقائيًا أنها أرض الشعراء، أو «بلد المليون شاعر»، وعضو في جامعة الدول العربية، دون أن تملك تصورًا واضحًا عن هذا البلد الشقيق. لكن حين أتيحت لي الفرصة لزيارتها، بدعوة كريمة من معالي وزير المعادن والصناعة، السيد أتيام التجاني، ومن الشيخ الفاضل محمد محمود وحرمه المصون الشيخة العزة، أدركت أن موريتانيا ليست مجرد أرض الشعراء، بل هي أرض الفرص الواعدة، والتاريخ العريق، والموارد التي لم تُستغل بعد بشكل كافٍ.
رحلتي بدأت مع أخي محمد يحيى، قادمَين من المغرب إلى مطار نواكشوط فجرًا. ومن اللحظة الأولى، شعرنا وكأننا بين أهلنا، فقد كان في استقبالنا الشيخ محمد محمود، برفقة الأخوة محمد سليم والدكتور هشام منيف من تونس. استقبال يفيض بالكرم العربي الأصيل، جعلنا نوقن أن هذه الزيارة ستكون استثنائية.
كانت البداية مع معالي وزير المعادن والصناعة، أتيام التجاني. شاب مثقف، ملمّ بكافة تفاصيل وزارته، قدم لنا شرحًا وافيًا حول الفرص الاستثمارية المتاحة في قطاع المعادن والصناعات المختلفة. موريتانيا تمتلك ثروات طبيعية هائلة، من الحديد والذهب إلى الفوسفات والنحاس، مما يجعلها وجهة استثمارية مميزة.
ثم كان لقاؤنا مع معالي وزير الزراعة، أمم بيباته، الذي أبدى ترحيبه الكبير بالمستثمرين الخليجيين، مؤكداً استعداد بلاده لتقديم التسهيلات اللازمة لدعم القطاع الزراعي. موريتانيا تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، وتزخر بإمكانات كبيرة في هذا المجال، وهو ما يفتح آفاقًا واسعة للاستثمار الزراعي، خاصة في ظل اهتمام الحكومة بتحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير هذا القطاع الحيوي.
في لقائنا مع معالي وزير الخارجية، محمد سالم ولد مرزوق، الذي استقبلنا بكلمات خليجية، لمسنا عمق العلاقات التاريخية بين الكويت وموريتانيا. أشاد معاليه بدور الكويت الداعم لموريتانيا، مشددًا على أهمية تعزيز هذه العلاقات. وهنا، طرحنا فكرة تأسيس جمعية «خليجيون في حب موريتانيا»، كجسر من التواصل بين شعوب الخليج وموريتانيا، بهدف تعزيز التعاون الاستثماري والاجتماعي.
كذلك، ناقشنا مبادرة «الاتحاد العربي لأصحاب المواقع الإلكترونية والذكاء الاصطناعي»، والتي لاقت ترحيبًا كبيرًا من معاليه، مؤكدًا دعمه الكامل لهذه الخطوة التي ستسهم في توطيد العلاقات وتعزيز التعاون العربي المشترك.
وكذلك كان لنا لقاء مميز وأخوي مع معالي وزير الرئاسة، في منزله العامر، حيث غمرنا بكرم الضيافة ومشاعر الحب والتقدير التي يصعب على قلمي وصفها. خلال اللقاء، شرحنا أهداف زيارتنا لموريتانيا الشقيقة، واستعرضنا مبادرة «خليجيون في حب موريتانيا» ومبادرة الاتحاد العربي. لاقى معاليه الفكرتين بحفاوة بالغة، وبارك جهودنا، مؤكداً استعداده لتقديم كل الدعم وتذليل العقبات لإنجاح هذه المبادرات. كما اعتذر لنا بكل تواضع عن عدم تمكننا من لقاء فخامة الرئيس نظرًا لانشغاله باحتفالات عيد الاستقلال، ما يعكس حرص القيادة الموريتانية على تعزيز التعاون العربي الخليجي.
إن جمعية «خليجيون في حب موريتانيا» ليست مجرد فكرة، بل هي مشروع طموح يستهدف جذب الاستثمارات الخليجية إلى موريتانيا، والتعريف بفرصها الواعدة. لدينا إيمان بأن هذه الجمعية يمكن أن تكون حلقة وصل بين رجال الأعمال الخليجيين والموريتانيين، خاصة في ظل التسهيلات الكبيرة التي تقدمها الحكومة الموريتانية.
ولقد كان لقاؤنا مع معالي وزير الثقافة والإعلام، الحسين ولد مدو، تجربة استثنائية بكل المقاييس. هذا الوزير الشاب، الذي يتمتع بدماثة الخلق وسعة المعرفة، فتح لنا أبواب مكتبه وكأننا في صالون أدبي راقٍ. غصنا معه في بحر من الشعر والأدب، متنقلين بين قصائد المتنبي وأشعار الجاهلية وصولًا إلى العصر الحديث. استمر اللقاء بروح من الإبداع والنقاش الممتع، حتى نسينا السبب الأساسي لوجودنا في مكتبه، من شدة روعة الحوار وجمال الاستماع إلى الشعر. ليت كل وزرائنا العرب يتحلون بهذه الثقافة الواسعة والعلم العميق، الذي يُثري العقول ويترك أثرًا لا يُنسى.
وكما لمسنا من جميع الوزراء الذين التقيناهم مشاعر الود والتقدير للكويت، كان لقاؤنا مع معالي وزير الثقافة والإعلام الموريتاني مثالًا حيًا على ذلك. فقد عاد مؤخرًا من زيارة إلى الكويت، حيث التقى معاليه بأخيه معالي عبد الرحمن المطيري، وزير الإعلام الكويتي. خلال اللقاء، استعرضنا معه مبادرة «خليجيون في حب موريتانيا» ومبادرة «الاتحاد العربي لأصحاب المواقع الإلكترونية والذكاء الاصطناعي»، وقد أبدى إعجابه الكبير بالمبادرتين وأكد دعمه الكامل لهما. كما شدد على أهمية الدور الإعلامي في تعزيز العلاقات بين الشعوب، وأهدانا مجموعة من الإصدارات القيّمة لوزارة الثقافة الموريتانية، تعبيرًا عن تقديره وتشجيعه لهذه الجهود.
إن موريتانيا اليوم تفتح أبوابها للاستثمار، وتقدم حوافز مشجعة لكل من يرغب في خوض هذه التجربة. الحكومة الموريتانية، بقيادة نخبة من الوزراء الشباب المثقفين، تعمل على تذليل كافة العقبات أمام المستثمرين، سواء في قطاع المعادن، أو الزراعة، أو السياحة.
نحن في مؤسسة خليجيون، وبيت الكويت للأعمال الوطنية، ندعو المستثمرين الخليجيين والعرب للنظر بعين الاعتبار إلى موريتانيا، ليس فقط كوجهة استثمارية، بل كبلد شقيق يستحق الدعم، والتعاون، خاصة وأن الحكومة ومختلف مؤسسات الدولة هناك توفر كل الفرص والمناخ الاستثماري الواعد.
إن موريتانيا ليست مجرد أرض بعيدة على الخريطة الخليجية، إنها أرض الكرم، والشهامة، والفرص الواعدة. لنكن جميعًا «خليجيون في حب موريتانيا».