أخبار عاجلة

مكافحة التصحر والجفاف.. هل تصبح السعودية منصة عالمية للحلول المستدامة؟ (مقال)

مكافحة التصحر والجفاف.. هل تصبح السعودية منصة عالمية للحلول المستدامة؟ (مقال)
مكافحة التصحر والجفاف.. هل تصبح السعودية منصة عالمية للحلول المستدامة؟ (مقال)

يمثّل مؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والجفاف (UNCCD)، المنعقد في الرياض خلال المدة من 2 إلى 13 ديسمبر/كانون الأول 2024، لحظة حاسمة في الجهود العالمية لمكافحة تدهور الأراضي.

يأتي المؤتمر الذي انطلقت فعالياته تحت شعار "أرضنا مستقبلنا"، في وقت حرج، إذ يُحتفل بمرور 30 عامًا على تأسيس الاتفاقية، ويُعدّ الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

وتحمل قمة الرياض أهمية استثنائية في ظل التحديات البيئية الملحّة التي يواجهها كوكبنا، لا سيما أن 40% من الأراضي العالمية تتعرض حاليًا للتدهور، مما يهدد الأمن الغذائي والمائي والطاقي للدول، ويدعو للتعاون من أجل مكافحة التصحر والجفاف.

وتُعدّ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) واحدة من 3 اتفاقيات جرى تبنّيها في قمة ريو 1992، إلى جانب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) واتفاقية التنوع البيولوجي (CBD)، وتضم الاتفاقية 197 طرفًا، وتشمل 196 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي بصفته كيانًا.

ويُتوقع أن يشكّل مؤتمر "كوب 16" (COP16 ) في الرياض نقطة تحول رئيسة في خطة إصلاح الأراضي ومكافحة الجفاف، وهو ما أكده الأمين العام التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو.

وأشار ثياو إلى أن المؤتمر سيسهم في معالجة التحديات التي تعاني منها مناطق عدّة، خاصة في أفريقيا، التي تواجه تهديدات بيئية عميقة، إذ يُتوقع الانتقال من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ الفعلي، بما يسهم في إصلاح الأراضي المتدهورة.

ويشدد ثياو على أن "مؤتمر الأطراف الـ16" في الرياض سيكون فرصة لإدراك أن فقدان الأراضي وندرة المياه لهما أبعاد إنسانية عميقة، إذ تتطلع المجتمعات المستضعفة إلى نتائج ملموسة وقرارات جريئة من هذا المؤتمر.

تدهور الأراضي

يواجه كوكب الأرض تحديًا كبيرًا يتمثل في تدهور نحو 40% من الأراضي، وهو ما يشكّل تهديدًا مباشرًا لأمننا الغذائي والمائي والطاقي، ومن ثم للاقتصادات الوطنية على مستوى العالم، هذه المشكلة تتفاقم مع زيادة عدد السكان الذي وصل إلى 7 مليارات نسمة، مما يزيد من الضغط على الموارد الطبيعية.

وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فمن المتوقع أن تصل نسبة الأراضي المتدهورة إلى ما بين 5 و6 مليارات هكتار عالميًا بحلول عام 2050، ما لم تتضافر الجهود العالمية لتحويل التعهدات إلى إجراءات فعّالة لمكافحة التصحر والجفاف.

جانب من فعاليات كوب 16 في الرياض
جانب من فعاليات كوب 16 في الرياض - الصورة من واس

وتعدّ الأراضي المصدر الرئيس لحياة الإنسان، إذ تُقدّم 95% من مصادر الغذاء العالمي، وهي موطن لـ85% من النباتات والحيوانات، إضافة إلى ذلك، تسهم الأراضي في 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من خلال الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالزراعة والموارد الطبيعية.

أمّا في مجال الصحة، فإن 25% من الأدوية تُستخلص من النباتات، في حين يعتمد 80% من سكان الدول النامية على النباتات الطبية في علاج الأمراض.

لا تعدّ الأرض مجرد مصدر للموارد الطبيعية، بل هي أيضًا موروثنا المشترك وبيتنا الذي يوفر لنا الأمن الصحي، والغذائي، والمائي.

ويشكّل الحفاظ على صحة الأرض ضمان لمستقبل مستدام للبشرية، مما يستدعي تضافر الجهود الدولية والمحلية لإصلاح الأراضي المتدهورة وحمايتها من المزيد من التدهور.

دور كوب 16 في توحيد الجهود الدولية

تقوم المملكة العربية السعودية بجهود وطنية ودولية متميزة في إطار مبادراتها البيئية الطموحة، مثل مبادرة السعودية الخضراء" التي تهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة بحلول عام 2030، مما يسهم في تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي وحماية 30% من المناطق البرية والبحرية.

كما تتبنّى المملكة نموذج الاقتصاد الدائري للكربون الذي يهدف إلى تقليص الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن بحلول 2030، وصولًا إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060.

وعلى المستوى الإقليمي، تأتي مبادرة الشرق الأوسط الأخضر لتعزيز الجهود المشتركة، إذ تسعى إلى:

  • خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 670 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يمثّل 10% من الإسهامات العالمية.
  • زراعة 40 مليار شجرة في المنطقة، واستصلاح 200 مليون هكتار، مما يشكّل 5% من أهداف التشجير العالمي، ويخفض 2.5% من الكربون العالمي.

إلى جانب ذلك، أطلقت المملكة عدّة مراكز ومبادرات داعمة، مثل:

  • المركز الإقليمي للتغير المناخي.
  • المركز الإقليمي للإنذار المبكر بالعواصف.
  • صندوق الاستثمار الإقليمي لتمويل الحلول التقنية للاقتصاد الدائري للكربون.

يعكس مؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16)، المنعقد تحت شعار "أرضنا، مستقبلنا"، الترابط الوثيق بين التحديات التي يواجهها كوكب الأرض، مثل تغير المناخ، والتصحر، وفقدان التنوع البيولوجي، وهو يدعو إلى تنسيق الجهود بين الاتفاقيات البيئية الثلاث.

وتعني حماية الأرض حماية مستقبلنا وأمننا المائي (بمكافحة الجفاف)، والغذائي (بإيقاف تدهور الأراضي)، والطاقي (بالحدّ من تغير المناخ).

محاور عمل كوب 16

سيركّز مؤتمر مكافحة التصحر والجفاف في السعودية على توحيد الجهود العالمية لتنفيذ إجراءات حاسمة تشمل:

  1. تسريع استعادة الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030.
  2. تعزيز الاستعداد والاستجابة لحالات الجفاف.
  3. ضمان استمرار قدرة الأرض على تقديم حلول مناخية وحماية التنوع البيولوجي.
  4. مواجهة العواصف الرملية والترابية المتزايدة.
  5. توسيع نطاق نظم الإنتاج الغذائي المستدامة.
  6. تأمين حقوق ملكية الأراضي للنساء لتعزيز استعادة الأراضي.
  7. تمكين الشباب من خلال توفير فرص عمل لائقة ترتبط بإصلاح الأراضي.

وبفضل هذه الجهود، يشكّل كوب 16 منصة عالمية لتعزيز العمل الجماعي وتأمين مستقبل مستدام للأجيال القادمة.

جانب من فعاليات كوب 16 في الرياض
جانب من فعاليات كوب 16 في الرياض - الصورة من واس

تحديات كوب 16

تهدف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والجفاف إلى استصلاح 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول 2030، إذ إن الهدف هو أرضنا، فالبحث عن التزامات واستراتيجيات مستدامة وتجسيدها هو المطلوب، ويمثّل كوب 16 فرصة إستراتيجية لتعزيز الجهود العالمية لمواجهة تحديات التصحر وتدهور الأراضي.

لكن تحقيق ذلك يتطلب معالجة قضايا معقّدة يتطلب تنسيقًا دوليًا وجهودًا متعددة الأبعاد، وتشمل التحديات الرئيسة تأثيرات التغير المناخي المتسارعة، مثل زيادة موجات الجفاف والفيضانات، مما يزيد الضغط على الجهود البيئية، خاصة في المناطق الجافة مثل شبه الجزيرة العربية.

إضافة إلى ذلك، تبرز صعوبة التنسيق بين الدول بسبب اختلاف الأولويات والإمكانات، مما يعوق الوصول إلى اتفاقات ملزمة وتعزيز التمويل المستدام.

كما أن تأمين الموارد المالية اللازمة لتفعيل المبادرات البيئية، مثل استعادة الأراضي المتدهورة وزراعة الغابات، يمثّل تحديًا آخر، إذ يظل التمويل غير متناسب مع الاحتياجات الفعلية.

وعلى المستوى المحلي، يتطلب التنفيذ الناجح لهذه الإستراتيجيات رفع مستوى الوعي المجتمعي وتحسين البنية التحتية.
علاوة على ذلك، يُعدّ الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجي ضروريًا لإيجاد حلول مبتكرة ودعم تبادل المعرفة بين الدول.

يضاف إلى ذلك تحدي متابعة تنفيذ التزامات المؤتمرات السابقة وضمان استمرار التقدم، بجانب مواجهة تأثير الأزمات العالمية الأخرى، مثل النزاعات الدولية وتباطؤ الاقتصاد، التي تؤثّر بالأولويات البيئية.

وتتطلب هذه التحديات تكثيف الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، والتركيز على إشراك المجتمعات المحلية لتحقيق تأثير طويل الأمد

من أجل غد مستدام

مواجهة التحديات المطروحة في مؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي تستضيفه الرياض، يتطلب الأمر تبنّي حلول مبتكرة تعزز التعاون الدولي والابتكار التقني.

ومن أبرز هذه الحلول تعزيز التمويل الإقليمي والدولي من خلال آليات تجمع بين الموارد الحكومية واستثمارات القطاع الخاص، مع التركيز على تحويل التعهدات إلى مشروعات عملية تُحدث فرقًا ملموسًا على الأرض.

ويشكّل الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، عنصرًا أساسيًا في تحديد أولويات المناطق المتضررة وإدارة الموارد بفعالية أعلى.

إلى جانب ذلك، تبرز أهمية التعاون الدولي من خلال بناء شراكات إستراتيجية لتبادل الخبرات ودعم المبادرات الإقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

على المستوى المحلي، يعدّ إشراك المجتمعات المحلية ركيزة محورية، إذ يمكن تحقيق ذلك عبر حملات توعية لتعزيز دور الأفراد في مكافحة التصحر، مع تقديم حوافز تدعم الممارسات المستدامة.

جانب من فعاليات كوب 16 في الرياض
جانب من فعاليات كوب 16 في الرياض - الصورة من واس

كما تتطلب المرحلة المقبلة آليات مراقبة صارمة لضمان تنفيذ الالتزامات السابقة، إلى جانب إعداد تقارير شفافة تسلّط الضوء على الإنجازات والتحديات.

من جهة أخرى، يجب توسيع دعم البحث العلمي بتمويل المشروعات الأكاديمية وتعزيز التعاون بين المؤسسات البحثية، لتطوير حلول مبتكرة ومستدامة قادرة على تعزيز قدرة المناطق المتضررة على مواجهة التغيرات المناخية.

ويشكّل مؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16) لحظة فارقة في تاريخ الجهود العالمية لمكافحة التصحر والجفاف وتدهور الأراضي.

ولتحقيق النجاح، يجب أن تترجم التعهدات إلى إجراءات عملية وملموسة تسهم في الحفاظ على مستقبل كوكب الأرض.
ومع تزايد التحديات البيئية، بات من الضروري تكثيف التعاون بين الدول والمجتمعات المحلية، والاستثمار في الحلول التكنولوجية المبتكرة التي تعزز من فعالية إدارة الموارد الطبيعية.

وينبغي أن يُنظر إلى المؤتمر بصفته منصة لتوجيه الجهود نحو أهداف طموحة، تجمع بين العمل البيئي والعدالة الاجتماعية، فقط من خلال التحرك الجماعي والتزام الدول والمجتمعات بتمويل المشروعات البيئية وتنفيذها، يمكننا ضمان بيئة مستدامة تعود بالفائدة على الأجيال القادمة، وتحقيق الأمان البيئي الذي يضمن توازن الأرض ومستقبل البشرية.

* د.منال سخري - أستاذة وخبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة.

*هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أماكن بيع كراسات شروط شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. والأوراق المطلوبة
التالى رئيس التحدي الليبي يكشف مفاجأة بشأن فهد المسماري صفقة الزمالك المحتملة