اقترح المهدي بن بركة سنة 1957 على الملك محمد الخامس إنشاء طريق تربط بين المجالين الاستعماريين السابقين لكل من فرنسا وإسبانيا، بطول 80 كيلومترًا، تربط بين تاونات وكتامة. تم ذلك بشكل تطوعي، من خلال سواعد الشباب المغربي، الذين بلغ عددهم 12,000. وقد شارك الأمير مولاي الحسن في بناء هذا الطريق رمزيًا، ولا يزال هناك شريط بالأبيض والأسود يظهره وهو يزيح كتلة من الأحجار والأتربة.
سُمِّيت بهذا الاسم احتفالًا باستقلال البلاد ووحدة المنطقة الشمالية مع المنطقة الوسطى، لأنها مثلت المعاول الأولى في بناء صرح المغرب المستقل. وكانت الكتلة الوطنية، المشاركة في الحكومة، تحدو حدو الشعوب التي أطلقت مشاريع ضخمة للمتطوعين، وعلى رأسها الصين الشعبية.
اليوم، أُنجزت طريق جديدة تربط بين جنوب المغرب وصحرائه، انطلاقًا من تزنيت، على أنقاض طريق ضيقة ومهترئة، وهي امتداد للطريق الوطنية رقم 1 التي تربط بين طنجة والكويرة. لم تُنجز بواسطة المتطوعين، بل نفذتها شركات ومهندسون وعمال متخصصون في بناء الطرق والقناطر. يبلغ طولها أكثر من 1,055 كيلومترًا، وقد كلفت ما يزيد على تسعة مليارات درهم. تكون طريقًا سريعًا بين تزنيت والعيون، وتصبح طريقًا واسعة بعرض تسعة أمتار بين العيون والداخلة. كما تتضمن قناطر عديدة، أبرزها أطول قنطرة بالمغرب، بطول إجمالي يبلغ 1,700 متر، لتجنب زحام العيون.
من المنتظر في السنوات القادمة توسيع الطريق الوطنية بين الداخلة والكويرة، لاستيعاب حركة السير المتزايدة بعد إنشاء ميناء الداخلة الأطلسي، واطراد حركة التبادل التجاري بين المغرب وإفريقيا عبر ممر الكركرات.
كانت طريق تاونات-كتامة وصلاً رمزيًا أكثر منه استثمارًا اقتصاديًا، لأن وسط البلاد كان مرتبطًا بالشمال قبل ذلك عبر طريقين؛ إحداهما في الغرب، والأخرى في الشرق. أما طريق تزنيت-الداخلة، فإنه يتجاوز ما هو رمزي ليصبح حيويًا في الاقتصاد وحركة السكان وتطوير شبكة الموصلات بين المغرب وإفريقيا جنوبًا وغربًا. وقد حظي مشروع منح الدول الإفريقية الداخلية إمكانية استغلال الميناء الكبير للداخلة، والنفاذ إلى المحيط الأطلسي، بارتياح واسع ورغبة كبيرة في التعاون مع بلادنا. ومن هنا نفهم أهمية طريق الوحدة الجنوبية، التي ستجعل صحراءنا أكثر قربًا منا، وأهل صحرائنا أكثر اندماجًا في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والبشري. كما ستجعل الصحراء محوًرا اقتصاديًا لغرب إفريقيا بأكمله.
وقد نحلم، وهذا ليس عيبًا، ببناء سكة حديدية كلاسيكية (بسرعة عادية وسكة غير مزدوجة) بين أكادير والكركرات في المستقبل المنظور.
بين الحدثين 67 سنة، ووقائع كثيرة وأحداث تاريخية وذكاء سياسي ومعارك عسكرية وأجيال عديدة، ابتدأت بموافقة محمد الخامس على مشروع الوحدة الأول، وآلت إلى الحسن الثاني الذي بادر إلى استرجاع الصحراء كلها بين 1975 و1979، إلى محمد السادس الذي قرر مشروع الوحدة الثاني، الأكبر والأوسع والأغلى والأكثر إفادة لبلادنا. وللحق أقول إن التدشين الرسمي لطريق تزنيت-الداخلة يجب أن تُعطى له الأهمية المناسبة لعظمته وخطورته، لأنه ليس حدثًا عاديًا، بل هو توحيد مادي كبير للتراب الوطني، يؤكد انخراط المغرب في تمكين الصحراء المغربية من كل الوسائل لتصبح منجما جديدًا لإنتاج الثروة، بدلًا من أن تكون عالة على اقتصاد البلاد كما كانت في بداية استرجاعها.