أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول "المسافة الاقتصادية"، حيث تناول التحليل العوامل التي تؤثر في المسافة الاقتصادية بين الدول، فضلًا عن التفاوتات في الوقت اللازم للامتثال للوائح التصدير والاستيراد بين الدول وفقًا لمستوى الدخل، بالإضافة إلى الفجوة في أوقات انتظار سفن الحاويات في الموانئ بين الدول النامية والدول المتقدمة، وكذلك أهم السياسات المقترحة لتقليص المسافة الاقتصادية في الدول النامية.
أشار التحليل إلى أنه رغم انخفاض تكاليف النقل في الدول مرتفعة الدخل على مدى العقود القليلة الماضية، فإن إيجاد اقتصاد متكامل واحد لا يزال هدفًا بعيد المنال؛ حيث تواجه الدول منخفضة ومتوسطة الدخل أسعار نقل أعلى من الدول مرتفعة الدخل لكل من الشحنات الدولية والمحلية، كما أنها تواجه أوقات شحن أطول، لذا من الممكن أن تؤدي معالجة هذا التحدي إلى زيادة الدخل والرفاهة العامة، وتحسين حياة الأفراد في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
تعزيز الأمن الغذائي
وتجدر الإشارة إلى أن تقليص المسافة الاقتصادية - التي تُعرف في مجال النقل بأنها تكلفة المسافة بين مكانين أو أكثر وفقًا للأنواع المختلفة من وسائل النقل من حيث تكاليف النقل والتكاليف المرتبطة بالوقت - من شأنه أن يعود بفوائد جمة على الدول النامية من خلال تعزيز الإنتاجية، وخلق فرص عمل، ورفع مستوى الدخل، وتعزيز الأمن الغذائي، وخفض الانبعاثات الكربونية. ولتحقيق هذه الفوائد ينبغي توفير وسائل نقل فعالة وعالية الجودة.
أشار التحليل إلى تعدد العوامل التي تؤثر في المسافة الاقتصادية بين الدول، ووفقًا للتقرير الصادر عن البنك الدولي فإنها تتمثل في الآتي:
- العوامل الجغرافية: فكلما ازدادت المسافة بنسبة 10%، أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف النقل البحري بنسبة تتراوح بين 0.3%، و2.6%.
- البنية التحتية للموانئ: يوفر تحسين أداء الموانئ مكاسب محتملة هائلة، فتصدير الشحنة نفسها من ميناء عالي الأداء (المُصنف ضمن أفضل 25% من الموانئ من حيث الأداء المرتبط بالوقت) يخفض تكاليف الشحن بنسبة 37% في المتوسط مقارنةً بتصديرها من ميناء منخفض الأداء (المُصنف ضمن أدنى 25% من الموانئ).
- القطاع الخاص وتأثيره في الكفاءة والتكلفة: تتمتع مواني الحاويات التي يديرها القطاع الخاص بكفاءة أعلى بنسبة 7%؛ مما يؤدي إلى انخفاض تكاليف الشحن بنسبة 4%. وكذا فإن تشجيع المنافسة في الموانئ وبين المشغلين في الميناء نفسه من شأنه أن يحسن الأداء، ويخفض التكاليف.
- هيكل السوق في صناعة الشحن البحري: على صعيد شركات شحن الحاويات، هناك تركز واضح في السوق؛ حيث تمكنت 4 شركات فقط من الاستحواذ على 59% من حصة السوق في عام 2023، كما استحوذت 10 شركات فقط على 86% من حصة السوق في العام نفسه. لذا، يمكن أن يؤدي الاندماج والتعاون بين الشركات إلى خفض معدلات التكلفة، وذلك يرجع إلى وفورات الحجم.
أوضح التحليل أن نقل البضائع في الدول النامية يستغرق وقتًا أطول بشكل ملحوظ مقارنةً بالدول المتقدمة، وذلك لكل من الشحنات الدولية والمحلية. ووفقًا للتقرير الصادر عن البنك الدولي فإن متوسط الوقت اللازم للامتثال للوائح التصدير يتراوح من 24 ساعة في الدول مرتفعة الدخل، إلى 97 ساعة في الدول منخفضة الدخل.
وعلى صعيد متوسط الوقت اللازم للامتثال للوائح الاستيراد فإنه يتراوح من 22 ساعة في الدول مرتفعة الدخل، إلى 126 ساعة في الدول منخفضة الدخل. فضلًا عن أن متوسط أوقات الاستيراد أطول من أوقات التصدير في كل من الدول متوسطة ومنخفضة الدخل.
علاوةً على ذلك، أوضح التقرير أن متوسط الوقت الذي تقضيه سفن الحاويات في الموانئ يرتفع في الدول منخفضة الدخل إلى أكثر من ضعفي مثيلتها في الدول ذات الدخل المرتفع. كما أوضح أن سرعة الطرق بين المدن تكون أسرع في الدول مرتفعة الدخل بمقدار ضعفين مقارنةً بنظيرتها في الدول ذات الدخل المنخفض.
أضاف التحليل أن الاكتظاظ المزمن في الدول النامية يرجع إلى مكوث سفن الحاويات وقتًا أطول في مواني الدول النامية مقارنةً بالدول المتقدمة، ويمكن إرجاع سبب ذلك إلى البنية التحتية الأفضل في الدول المتقدمة، وأوقات التخليص الجمركي الأسرع فيها، وارتفاع إنتاجية العمالة في الموانئ بها.
ومع ذلك، تأثرت أوقات الانتظار في الدول المتقدمة بشكل أكبر في أثناء جائحة "كوفيد-19" متجاوزة بذلك أوقات الانتظار بالدول النامية في بداية عام 2022. ومع ارتفاع الطلب على البضائع المعبأة في حاويات بالدول المتقدمة، خاصة خلال فترات الإغلاق، لم تستطع الموانئ مواكبة زيادة الأحجام، وعانت حالات الاكتظاظ، خاصةً في مواني أمريكا الشمالية، وبعض الموانئ الأوروبية، أما بعد انحسار جائحة كوفيد-19، تمكنت الدول المتقدمة من خفض زمن الانتظار وصولًا إلى مستوياتها قبل الجائحة.
أشار التحليل إلى أن خفض تكاليف النقل في الدول النامية يشكل تحديًا كبيرًا، ولكن يمكن تحقيقه، وذلك من خلال بذل مزيد من الجهود في ثلاث مجالات تتمثل في الآتي:
1-تحرير قطاع النقل من القيود التنظيمية وزيادة المنافسة به:
حيث أن أسواق خدمات النقل في عديد من الدول النامية لا تتسم بالقدرة التنافسية، ويمكن إرجاع ذلك إلى سياسة تنظيم الأسعار، والحواجز الرسمية وغير الرسمية أمام دخول السوق، وتأكيدًا على ما سبق، نجد أن 31 دولة من أصل 94 دولة نامية لا تسمح للشاحنات القادمة من الدول المجاورة بتسليم البضائع؛ مما يضطرهم إلى تفريغ شحناتهم، ثم إعادة تحميلها على شاحنات محلية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه عندما تقوم الحكومات بإزالة العوائق التي تحول دون دخول الشركات صناعة النقل بالشاحنات، وتسمح لشركات النقل التي تقوم بشحن ونقل البضائع بتحديد الأسعار بحرية، تنخفض الأسعار وتتحسن جودة الخدمة.
واتصالًا لما سبق، نجد أنه في غضون خمس سنوات من تحرير صناعة النقل بالشاحنات، انخفضت أسعار النقل بالشاحنات بنسبة تتراوح بين 25%، و35% في الولايات المتحدة، و23% في المكسيك.
2- الحد من وسائل النقل التي تسير فارغة، والناتجة عن الاختلالات في تدفقات الشحن بين المناطق الجغرافية:
حيث تكون بعض المناطق الجغرافية مستوردة صافية وأخرى مصدرة صافية، فضلًا عن أن القيود المفروضة على شركات النقل، والتي تعمل على حماية شركات النقل المحلية من خلال منع شركات النقل الأجنبية من شحن البضائع؛ مما يؤدي إلى عودة الشاحنات وسفن الحاويات فارغة بعد الانتهاء من التسليم الدولي للبضائع، فعلى سبيل المثال تقطع (ناقلات البضائع السائبة) 42% من الأميال البحرية فارغة، وأما الشاحنات فتسير فارغة بنسبة تتراوح ما بين 15%، و45% من الكيلومترات التي تقطعها.
لذا فإن إزالة القيود التي تحد من قدرة الشاحنات وسفن الحاويات على استلام البضائع في الوجهة المخصصة لذلك، وتحسين مطابقة العرض والطلب، يمكن أن يقلل المسافات التي تقطعها الشاحنات أو سفن الحاويات فارغة؛ مما يوفر على شركات النقل النقود والوقت، وتجعل البضائع المتداولة أقل تكلفة.
3- الاستثمار في البنية التحتية عالية الجودة وتحسين تشغيلها:
نظرًا لكون البنية التحتية عالية الجودة ضرورية للحد من الصعوبات الناتجة عن المسافة والتضاريس. فالطرق القصيرة والمباشرة تعمل على خفض تكلفة نقل البضائع، فيمكن أن يؤدي خفض مسافة الشحن في المتوسط بمقدار 100 كيلومتر في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل إلى خفض أسعار النقل بنسبة 20%. فضلًا عن أن نقل البضائع على الطرق السريعة بدلًا من الطرق ذات الجودة المنخفضة يخفض أسعار النقل في المتوسط بنسبة 19%. كما أن العوامل الخارجية كالتغيرات المناخية تفاقم تأثير ضعف البنية التحتية؛ فتزداد تكلفة الشحنات خلال مواسم الأمطار بنسبة 6% في المتوسط مقارنةً بتكلفة الشحنات خلال المواسم الأخرى. لذا، فإن توافر البنية التحتية متعددة الوسائط ذات جودة عالية التي تعمل بكفاءة يمكن أن يزيد المنافسة بين مختلف الوسائط، وبالتالي تنخفض تكاليف النقل.
أفاد التحليل أنه على الرغم من أن تقليص المسافة الاقتصادية ليس بالأمر اليسير، فإن العوائد المترتبة على ذلك جوهرية، وتتمثل أولويات الدول النامية في خلق أسواق فعالة، والتي تتطلب معالجة إخفاقات السوق والصعوبات على طول سلسلة الإمداد بقطاع النقل، بالإضافة إلى التأكد من أن جميع الأماكن في شبكة النقل -من الطرق والسكك الحديدية والممرات المائية والموانئ- مخططة بشكل صحيح، وتعمل بطريقة تسمح بالحركة السلسة للبضائع.
وتجدر الإشارة إلى أنه يتعين على الحكومات في الدول النامية إزالة القيود التنظيمية غير الضرورية، وتعزيز المنافسة، ومشاركة القطاع الخاص؛ حيث يؤدي تحرير قوى السوق إلى تسعير أكثر تنافسية وجودة أفضل للخدمات.
لذا، ينبغي أن يكون إيجاد أسواق فعالة على رأس الأولويات؛ نظرًا لكون العوائد المرجوة المترتبة على التدابير الرامية إلى تحسين البنية التحتية لن تتحقق في غياب الأسواق الفعالة.
وفي هذا السياق، نجد أن تقليص المسافة الاقتصادية من شأنه أن يوفر فرصًا هائلة للدول النامية، ويُمكِّنها من المشاركة بشكل أكثر اكتمالًا في التجارة العالمية، وتقليل التفاوتات الجغرافية، وتحسين جودة الحياة لملايين البشر.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.