بعد عودتها إلى إيطاليا من فرنسا، حيث تلقت دراستها، قررت إيلينا بيكاردي بداية العمل في روما والاستقرار هناك، لكنّها باتت ترغب اليوم على غرار عشرات آلاف من الخريجين الإيطاليين الشباب في معاودة السفر إلى الخارج بسبب قلة فرص العمل في بلدها.
وتوضح الشابة المتخرجة في العلوم السياسية لوكالة فرانس برس: “كنت أود أن أساهم في مستقبل بلدي وأن أبقى قريبة من عائلتي، لكن لماذا أضحي بالفرص عندما أتمتع بمهارات متساوية للمهام نفسها فيما أحظى بتقدير أكبر لمؤهلاتي الشخصية (في الخارج)؟” .
وانتقل أكثر من مليون من مواطني بيكاردي إلى الخارج خلال عشر سنوات، وتتراوح أعمار ثلثهم بين 25 و34 عاما، وفق المعهد الوطني للإحصاء (Istat).
ولتبرير اختيارهم يشير هؤلاء الإيطاليون إلى الرواتب المنخفضة، وعدم التطابق بين العرض ومؤهلاتهم، ولكن أيضا إلى ضعف الخدمات العامة.
ومن بين هؤلاء الشباب تستمر نسبة الخريجين في الارتفاع. وقال رئيس المجلس الوطني للاقتصاد والعمل، ريناتو برونيتا، خلال عرض تقرير حول هذا الموضوع أعدته منظمة الشمال الشرقي Nord Est “ليس من الطبيعي ألا يتساءل بلدنا عن سبب هذا النزيف ولا يحاول معالجته”.
ومن خلال عينة مكونة من عشر دول – معظمها أوروبية – تشير التقديرات إلى أنه مقابل كل شاب أجنبي يأتي للاستقرار في إيطاليا يغادر ما يقرب من تسعة شباب إيطاليين.
وفي مؤشر آخر على قلة الآفاق بالنسبة للشباب الإيطالي كان متوسط عمر مغادرة المنزل الأسري 30 عاما سنة 2022 وفق هيئة يوروستات، في نسبة مشابهة لتلك المسجلة في إسبانيا واليونان، ومن بين أعلى المعدلات في الاتحاد الأوروبي.
جاذبية منخفضة
تُعد إيطاليا إحدى الدول القليلة في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي التي انخفض فيها المستوى الحقيقي للأجور مقارنة بعام 2019. ويبلغ معدل البطالة بين الشباب أيضا 17,7%، وهو أعلى من المتوسط الأوروبي (15,2%).
وحتى بعد الدراسة الجامعية غالبا ما يصطدم الشباب الإيطالي بعروض عمل غير جذابة، إذ لا يوجد حد أدنى للأجور على المستوى الوطني، كما أن عدد سنوات الدراسة ليس له تأثير يُذكر على الأجر.
وتقول إيلينا: “لاحظتُ أنه في كثير من الأحيان عندما يتعلق الأمر بالعروض الإيطالية إما أن الراتب غير محدد، أو أنه أدنى بشكل عام”. ويمكن أن تصل الفوارق مع العروض الأخرى في أوروبا إلى مئات اليورو شهريا للمنصب نفسه.
وبعيدا عن شروط الرواتب يرى الخريجون الشباب المغتربون عن بلدهم أيضا أن البيئة المهنية في إيطاليا تتسم بطابع تقليدي أكثر مع اعتماد أقل لمبدأ الكفاءة، ونقص في الفرص التي تتوافق مع مؤهلاتهم.
وبحسب تقديرات مؤسسة Nord Est فإن “هجرة الأدمغة” الإيطالية بين عامي 2011 و2023 كلفت البلاد 134 مليار يورو.
مغادرة الجنوب
إلى أفواج المغادرين إلى الخارج يضاف أولئك الذين يسلكون طريق النزوح من جنوب إيطاليا إلى وسط البلاد وشمالها، وهو أمر مازال شائعا جدا.
وارتفعت نسبة الخريجين بين الشباب الذين يحزمون حقائبهم إلى الشمال من 18% إلى 58% خلال عشرين عاما.
بيلي فوستو طالب في جامعة سابينزا غادر كالابريا في أقصى الجنوب الإيطالي مباشرة بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، مثل غالبية زملائه في الفصل، ويوضح لوكالة فرانس برس: “لقد أخبرنا والداي دائما بأننا إذا أردنا يمكننا الذهاب للدراسة في مكان آخر لمحاولة بناء مستقبل مختلف”.
وبعد الانتهاء من دراساته الأرشيفية يخطط بيلي أيضا للانتقال إلى الخارج، رغم تعلقه بمنطقته وبلده، ويقول: “أنا لا أبحث عن الثروة (…) أو مسؤوليات كبيرة، بل أريد حياة هادئة. لا أريد أن أقلق بشأن معرفة ما إذا كانت لدي 15 يورو للذهاب للتسوق، وحاليا في إيطاليا، حتى في مجالي، ليس الأمر مضمونا”.