جاء تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية لمدّة 3 أشهر إضافية متوافقًا مع توقعات السوق، بالنظر إلى التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية المتلاحقة.
ستمدّد الدول الـ8 الأعضاء في التحالف تخفيضاتها البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا، التي أُعلِنت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حتى نهاية مارس/آذار 2025، وستعيدها تدريجيًا على أساس شهري حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2026.
كما قررت هذه الدول تمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية الإضافية البالغة 1.65 مليون برميل يوميًا، التي أُعلنت في أبريل/نيسان 2023، حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2026.
وتهدف هذه القرارات -بالإضافة إلى قرار تحالف أوبك+ في اجتماعه الوزاري الأخير، بتمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2026- إلى دعم استقرار السوق.
وفي هذا السياق، استطلعت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) توقعات نخبة من كبار الخبراء بشأن تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية ومدى تأثيرها في أسعار النفط.
إدارة تحالف أوبك+ لإمدادات النفط
يرى كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، أومود شوكري، أن تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا يمثّل نهجًا إستراتيجيًا لإدارة إمدادات النفط العالمية والأسعار في بيئة سوقية صعبة.
وأوضح شوكري، في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة، أن هذا التمديد يهدف إلى دعم استقرار سوق النفط من خلال موازنة العرض وسط العديد من التحديات الرئيسة.
وأشار إلى أن التمديد هو جزء من إستراتيجية أوسع وطويلة الأجل، حيث سيجري التخلص التدريجي من التخفيضات على أساس شهري حتى سبتمبر/أيلول 2026.
ويحتفظ أوبك+ بالمرونة لإيقاف أو عكس هذه التعديلات حسب الضرورة، ما يسمح للمجموعة بزيادة الإنتاج تدريجيًا مع مراقبة ظروف السوق المتطورة عن كثب.
وأوضح شوكري أنه من المحتمل أن يكون هناك العديد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي أثّرت في هذا القرار، بما في ذلك ارتفاع التضخم المستمر في الدول المستهلكة الرئيسة، والمؤشرات الاقتصادية غير المتساوية، والارتفاع المفاجئ في الإنتاج من المنتجين من خارج أوبك+، مثل الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وغايانا، والتي أبقت أسعار النفط منخفضة.
وقد يكون للقرار تأثيرات طويلة الأجل، مثل زيادة احتمال انخفاض مخزونات النفط الخام خلال أشهر الصيف، وارتفاع الأسعار المحتمل بمجرد ارتفاع الطلب الموسمي، وانخفاض المخزونات، بحسب تصريحات شوكري.
وتابع: "يسلّط قرار أوبك+ الضوء على التزام المجموعة بإدارة السوق بفعّالية في ظل الظروف الاقتصادية العالمية المعقّدة، بهدف توفير الاستقرار والدعم لأسعار النفط على المدى المتوسط إلى الطويل".
عوامل تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية
من جانبه، قال محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط بمنصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة، نادر إیتیّم، إن قرار تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية كان ضروريًا؛ إذ من الواضح أن السوق لم تكن في وضع يسمح لها باستيعاب المزيد من الخام على المدى القريب.
وأرجع إيتيّم هذا الأمر إلى أساسيات السوق التي تشير حاليًا إلى حالة من العرض الوفير، بالإضافة إلى توقعات بوجود فائض في السوق خلال عام 2025، بسبب استمرار ضعف نمو الطلب، واستمرار نمو الإنتاج القوي من خارج أوبك.
وعلّق إيتيّم في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة، قائلًا: "لذا، فإن التمديد، والقرار بإبطاء عودة هذه البراميل، كانا معًا أمرًا بالغ الأهمية".
وشدد محلل أسواق النفط على أن هذا الاتفاق لا يتعلق برفع أسعار النفط على المدى القريب، بل يتعلق أكثر بإنشاء أرضية للأسعار.
وأشار إلى أن أوبك أظهرت بالفعل أنها على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة عند الحاجة للحفاظ على توازن السوق والحدّ من التقلبات.
وتابع: "إنني متأكد من أن العديد من الدول الـ8 كان حريصًا على رفع الإنتاج بدءًا من يناير/كانون الثاني، لكنها أدركت أنها بحاجة إلى الانتظار، لصالح السوق الأوسع".
التخلص من تخفيضات أوبك+ الطوعية
أشارت مؤسّسة مركز "فاندا إنسايتس"، المعني بأسواق الطاقة فاندانا هاري، إلى أن القرار الرئيس الذي ركّزت عليه السوق هو تأجيل التخلص من تخفيضات أوبك+ الطوعية بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا لمدة 3 أشهر، الذي كان مقررًا بالفعل.
وأكدت هاري، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة، أن هذا القرار كان هو التحرك الأمثل في ظل الظروف الحالية، فلم يكن تأجيل أصغر حجمًا ليحقق أيّ معنى.
وفي الوقت نفسه، يشير التمديد حتى الربع الأول من عام 2025 فقط -وهو فترة بطء الطلب تقليديًا- إلى أن أوبك+ يظل متفائلًا بأن نمو الطلب سيفسح المجال لتعزيز العرض.
وأضافت: "يبقى أن نرى ما إذا كانت السوق ستشتريه أم لا.. وسيعتمد ذلك أيضًا على شدة الشتاء في نصف الكرة الشمالي، الذي سيكون له تأثير في الطلب على الطاقة ومخزونات النفط".
وقالت هاري: "إن عواقب قرار إعادة الـ2.2 مليون برميل يوميًا تدريجيًا على مدى 18 شهرًا بدلًا من 12 شهرًا ليست مفهومة جيدًا بعد، إذا حكمنا من خلال ردّ فعل أسعار النفط الخام منذ الخميس الماضي".
ولكنها أشارت إلى أنه من المعروف أن سوق النفط قصيرة النظر، وقد لا تعالج تمديد إعادة البراميل إلّا مع الاقتراب من نهاية الربع الأول.
وشاركها الرأي رئيس قسم تحليل النفط في شركة "غازبودي" الأميركية باتريك دي هان، الذي أكد أنه ليس من المستغرب أن يستمر تحالف أوبك+ في تمديد تخفيضات الإنتاج، مع بقاء الاقتصاد العالمي ضعيفًا.
استقرار سوق النفط
أشاد رئيس تحرير منصة "بتروليوم إيكونوميست"، بول هيكن، بقرار تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية، نظرًا لأنه يعكس مدى التزام كبار منتجي النفط بتوفير الاستقرار لسوق النفط، ويقضي على أيّ مخاوف من نفاد الصبر بين هؤلاء المنتجين من عبء خفض إنتاج النفط.
وأضاف في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة، أنه إذا كانت هناك أيّ شكوك في سوق النفط بأن أوبك+ سيتخلّى عن اتفاقه أو يعيد البراميل تدريجيًا، حتى عندما لا تبرر الظروف ذلك، فإن هذه الشكوك قد تلاشت بالتأكيد.
ويرى الخبير في شؤون الطاقة والشرق الأوسط، سيريل وودرشوفن، أن القرار يُعدّ ردّ فعل منطقيًا للأسواق العالمية التي ما تزال تكافح، حيث ينمو الطلب، ولكن ما يزال أقل مما كان متوقعًا.
وفي الوقت نفسه، يتعرض الطلب الآسيوي للضغوط، كما يتضح من الصين ومنحنيات الطلب المتقلبة.
ومع ذلك، يرى وودرشوفن في الوقت نفسه، أن هناك بعض الضوء في نهاية النفق، بالنظر إلى المشكلات التي تواجهها بعض الدول غير الأعضاء في أوبك.
وأشار إلى أن النفط الصخري الأميركي قد يواجه المزيد من المشكلات لزيادة الإنتاج في عام 2025.
كما تنتظر السوق التأثير المحتمل لقيادة ترمب، حيث يتعامل بعداء متزايد مع الصين، ويفرض تعرفات تجارية على الجميع، كما أنه مؤيد حقيقي لنهج مناهض لأوبك، بحسب ما أكده وودرشوفن في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة.
تأثير تمديد تخفيضات أوبك+ في أسعار النفط
توقّع كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري أن يؤثّر قرار بتمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية بشكل كبير بأسعار النفط في المدّة المقبلة؛ ومن المرجّح أن يحافظ التمديد على أسعار النفط عند مستويات مرتفعة على المدى القريب.
وأشار -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- إلى أنه من المتوقع أن تؤدي عمليات السحب من المخزونات الناتجة عن انخفاض الإنتاج إلى أن تكون مخزونات النفط العالمية أقل من استهلاك النفط العالمي، ومن ثم زيادة أسعار النفط.
ومع ذلك، قال شوكري: "بعد انتهاء تخفيضات إمدادات أوبك+، من المتوقع أن تنخفض الأسعار تدريجيًا إلى 65-70 دولارًا للبرميل بحلول نهاية عام 2026".
وأضاف أنه من المرجح أن تمارس عمليات السحب المستمرة من مخزونات النفط العالمية، إلى جانب المخاطر الجيوسياسية المحتملة، ضغوطًا تصاعدية على أسعار النفط خلال الربع الأول من عام 2025.
وأشار رئيس قسم تحليل النفط في شركة "غازبودي" الأميركية، باتريك دي هان، إلى أن قرار التمديد "قد يضع بعض الضغوط على الأسعار مع اقترابنا من الربيع، حيث قد تتقلص المخزونات العالمية في النهاية".
وتابع في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة: "لكن في الوقت الحالي، لا أرى تأثيرًا كبيرًا ما لم يبدأ الاقتصاد العالمي فجأة في رؤية تحسُّن أكثر أهمية"، إلّا أن القرار قد يكون له تأثير أكبر في أبريل/نيسان 2025، مع بدء زيادة الطلب الموسمي، بحسب ما أكده دي هان.
كما قال الخبير في شؤون الطاقة والشرق الأوسط سيريل وودرشوفن، إن القرار يعمل على استقرار أساسيات السوق، ويستعد لأسعار أعلى على المدى البعيد.
ومع ذلك، عادت التقلبات، مع كل ما تحمله من صعود وهبوط في تطورات الأسعار؛ لذلك سيكون عام 2025 حاسمًا، ليس فقط لأوبك+، ولكن أيضًا للاستثمارات.
ومن جانبه، أوضح رئيس تحرير منصة "بتروليوم إيكونوميست" بول هيكن أنه على الرغم من أن هذه الخطوة لا تغيّر الاتجاه الهبوطي، فإنها تشير إلى أن المزيد من النفط الخام سيُسحب من السوق في وقت من عدم اليقين الاقتصادي العالمي الكبير -وخاصةً حول الاستهلاك الصيني-، ومن خلال الطلب الضعيف موسميًا في الربع الأول.
وقال هيكن في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة، إنه من شأن إزالة البراميل أن تعيد أساسيات العرض والطلب، وتحافظ عليها في عام 2025.
وأكد أن هذا الأمر مهم، لأن الهدف المعلَن لأوبك+ هو استقرار السوق، وإستراتيجيته الضمنية في هذه المرحلة هي محاولة إبقاء الأسعار فوق 70 دولارًا للبرميل على المدى المتوسط.
وأشار هيكن إلى أنه يمكن القول، إن نطاق 70-80 دولارًا للبرميل هو نقطة مثالية لكل من المنتجين والمستهلكين.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- قرار تمديد تخفيضات تحالف أوبك+ من الموقع الرسمي لمنظمة أوبك.
- قرار تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية الإضافية من الموقع الرسمي لمنظمة أوبك.