يُعتبر اضطراب طيف التوحد أحد الاضطرابات العصبية التطورية التي تؤثر على طريقة تفكير الطفل وتفاعله مع محيطه الاجتماعي.
يعاني الأطفال المصابون بهذا الاضطراب من صعوبات في التفاعل الاجتماعي، بالإضافة إلى تحديات في التواصل اللغوي والسلوكي.
لكن الجدير بالذكر أن التوحد ليس حالة واحدة ثابتة، بل هو "طيف" من الأعراض والمظاهر التي تختلف في شدتها ودرجة تأثيرها من طفل لآخر، وهو ما يجعل فهم هذه الحالة يتطلب الإلمام الكامل بكافة الجوانب المتعلقة بها.
على الرغم من أن أعراض التوحد تظهر في مراحل مبكرة من حياة الطفل، إلا أنه يتم تشخيصه في أغلب الأحيان بعد السنة الثانية من العمر.
يُقدّر أن 1 من كل 54 طفلًا في العالم يعاني من اضطراب طيف التوحد، ويظهر هذا الاضطراب في الذكور أكثر من الإناث.
ورغم التقدم الكبير في مجال الطب والتشخيص، لا يزال السبب الدقيق لهذا الاضطراب غير معروف، ولكن تشير الأبحاث إلى أن مزيجًا من العوامل الجينية والبيئية قد يلعب دورًا كبيرًا في حدوثه.
يتميز اضطراب طيف التوحد بوجود سمات محددة، يمكن أن تكون واضحة في مراحل مبكرة من الطفولة.
تختلف شدة هذه السمات من طفل لآخر، وقد تتراوح بين الحالات الخفيفة التي لا تؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية، إلى الحالات الأكثر شدة التي تتطلب تدخلاً ومتابعة طبية مستمرة.
ومن المهم أن نعلم أن الأطفال المصابين بالتوحد ليسوا "مرضى" بالمعنى التقليدي للكلمة، بل هم أفراد يعانون من اختلافات في الطريقة التي يعمل بها دماغهم.
سمات الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد
1. الصعوبات في التواصل الاجتماعي:
يعاني الأطفال المصابون بالتوحد من صعوبة في فهم وفعل التفاعلات الاجتماعية بشكل طبيعي.
قد يجدون صعوبة في التفاعل مع الآخرين أو التحدث معهم بشكل عادي.
قد يكون لديهم قلة في القدرة على إجراء المحادثات، أو فهم النكات أو التعبيرات الوجوهية، أو استخدام تعبيرات وجهية لإظهار المشاعر.
2. صعوبات في تطوير مهارات اللغة:
العديد من الأطفال المصابين بالتوحد يظهرون تأخرًا في تطوير مهارات اللغة.
قد يبدأ بعضهم في التحدث في وقت متأخر عن أقرانهم، بينما قد يعاني البعض الآخر من صعوبة في استخدام اللغة للتواصل بشكل فعال، أو قد يتكلمون بطريقة غير متناسقة أو مفرطة في التكرار (كالعادة المتكررة للكلمات أو العبارات).
3. الاهتمامات والسلوكيات المحدودة:
غالبًا ما يكون لدى الأطفال المصابين بالتوحد اهتمامات محدودة جدًا قد تتركز في موضوع واحد فقط.
قد يقضون وقتًا طويلاً في التركيز على شيء معين، مثل الأرقام أو التراكيب الهندسية أو حتى أنماط معينة من الحركات.
وقد يظهرون سلوكيات متكررة، مثل التلويح باليدين أو التكرار في الحركة (كالتمرير أو الدوران)، وقد يصعب عليهم التكيف مع التغييرات في الروتين.
4. الحساسية الحسية:
قد يعاني الأطفال المصابون بالتوحد من حساسية مفرطة أو منخفضة للمؤثرات الحسية. بعضهم قد يظهر ردود فعل قوية تجاه بعض الأصوات أو الأضواء أو اللمس، بينما قد يبدون غير مبالين بالألم أو الحرارة أو البرودة.
5. صعوبات في التكيف مع التغيرات:
قد يواجه الأطفال المصابون بالتوحد صعوبة شديدة في التكيف مع التغيرات في بيئتهم أو روتينهم اليومي.
قد يعبرون عن هذا التحدي من خلال نوبات غضب أو قلق، ويمكن أن يكون لهم ردود فعل مفرطة تجاه التغييرات الصغيرة.
6. المهارات المعرفية المتفاوتة:
بينما قد يعاني البعض من تأخر في المهارات المعرفية أو الذهنية، يظهر آخرون مهارات متقدمة في بعض المجالات المحددة مثل الرياضيات أو الفن أو الموسيقى.
يمكن أن يكون لدى الأطفال المصابين بالتوحد قدرات متفوقة في مجالات معينة، ولكنهم يعانون في مجالات أخرى مثل التفاعل الاجتماعي أو الفهم العام.
التشخيص والتدخل المبكر
من المهم أن يتم تشخيص اضطراب طيف التوحد في وقت مبكر، حيث أن التدخل المبكر يمكن أن يساهم بشكل كبير في تحسين مهارات الطفل.
يعتمد التشخيص عادة على الملاحظة السلوكية للطفل وفحص تاريخه التنموي.
لا يوجد اختبار طبي محدد لتشخيص التوحد، ولكن يتم الاعتماد على معايير دلالية وأدوات تقييم نفسية متخصصة.
تسهم العلاجات المتعددة مثل العلاج السلوكي، والعلاج الكلامي، والتدخلات التعليمية في تحسين حياة الطفل المصاب بالتوحد.
كما أن العناية الخاصة التي تقدمها العائلات والمدارس يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في مساعدة الطفل على التكيف مع الحياة اليومية.
يعد اضطراب طيف التوحد تحديًا حقيقيًا للأطفال وعائلاتهم، إلا أن التشخيص المبكر والدعم المستمر يمكن أن يساعد هؤلاء الأطفال في تحقيق أقصى إمكاناتهم.
إن فهم السمات التي تميز هذا الاضطراب يمكن أن يساعد في تقديم الدعم المناسب لهم وتسهيل عملية التكيف مع البيئة المحيطة بهم.